أقصى ما كان يمكن أن نوجهه من لوم لوسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها شيخهم (الفيسبوك)، هو أنه صنع قطيعة بين أفراد الأسرة السودانية، وأصبح كل شخص عائشاً في ملكوت خاص به، وتقريباً أغلق أفراد الأسرة والعائلة الواحدة أنفسهم في غرف العزل الأثيري، وانفصلوا تماماً عن بعضهم بعضاً، فتناقص (ترمومتر) حرارة المشاعر الدافئة، وحل محلها البرود القاتل، وعدم التعاطي مع القواسم المشتركة، التي يفترض أن تجمع أفراد العائلة الواحدة أقصى ما كنت أتخيله أن تفعله بنا هذه الوسائط أن تصل عند هذا الحد من عدم التواصل والحميمية، لكن للأسف واضح جداً أن السودانيين دخلوا السكة الغلط، و(حيندِّموا) الأخ “مارك” على اليوم الذي اخترع فيه هذا الوسيط، وأعني (الفيسبوك)؛ والسبب ببساطة أن منصات التواصل الاجتماعي ــ إلا من رحم ربي ــ أصبحت منصة للشتائم والإشاعات والتنمر، ورمي الأبرياء بالتهم، وادعاء الوصايا على تصرفات خلق الله، لكن الأسوأ من ده كله أن يتحول البعض إلى قضاة ومحاكم ومشانق يتدخلون في خصوصيات الأسر ويطلقون الأحكام رغم أنهم لا يملكون الحيثيات، ولم يستمعوا لأطراف القضية، وكل زول حسب مزاجه ودرجة تقبله أو كراهيته لفلان يستطيع أن يقود رأياً عاماً ضده، طالما أنه لا أحد يفكر قبل أن يعلق، لتسود ثقافة القطيع، ولا أحد يسأل نفسه هل اتهام جائر وافتراء على رؤوس الأشهاد يمكن أن يسيء لشخص محترم، لأنه آثر الصمت، ورفض الحديث في خصوصياته وحياته الشخصية؟ هل فكر أحد من هؤلاء المسيئين الشتامين اللعانين ــ (وليس المؤمن بلعان ولا طعان) ــ أنه سيأتي يوم القيامة أمام رب العزة قاضي القضاة، فيسأله ويحاسبه كيف أساء لشخص وشتمه ورماه بما ليس فيه، فقط لأنه كان قاعد من غير موضوع، وعنده شوية (ميغابايتات) ما عارف يعمل بيها شنو؟ هل سأل أحد نفسه كم من البيوت يمكن أن تتخرب، وكم من النفوس يمكن أن تتجرح، وكم من المعاصي ترتكب؟ ونحن نظنها مجرد تعليقات على (الفيس) لملء أوقات الفراغ، لا يا كرام ويا كريمات، هذه جرائم ترتكب صباحاً مساء على رؤوس الأشهاد، لو كنتم لا تعلمون، وكل نفس بما كسبت رهينة.
الدائرة أقوله إن الفضاء أصبح مفتوحاً، وربما لا رقيب عليه، وحتى لو كان هناك من يمتلك أدوات الحجر والوصاية، فإنه ليس هناك أجدى وأنفع وأقوى من وصاية الضمير، وإحساس الإنسانية وصحوة الأخلاق، فالذي يشتم بت لا يعرفها عليه أن يضع نفسه مكان أخيها، وليشعر بما يشعر به، والذي يشتم سيدة عليه أن يتذكر أمه ويشعر بمشاعر زوجها وأسرتها، والتي تشتم شاباً وتتهمه وتتحرى عنه وتتجسس عليها أن تعتبره شقيقها الذي لا ترضى فيه كلمة، ومن يطلق إشاعة على رجل اعتبره يا أخي أباك ولا خالك، نحن مشكلتنا أنه لا أحد يضع نفسه في مكان الآخر ليشعر بمشاعره وإحساسه، وإلا كنا وفرنا كثيراً من الوجع على شخوص استهدفتهم (الميديا)، ليستغلها بعض أصحاب الأجندة والمنافسة غير الشريفة وبعض المندفعين والمندفعات لاغتيال خصومهم معنوياً ونفسياً، لأنهم فشلوا أن يهزموهم إبداعاً ونجاحاً وتفوقاً، فاختاروا أخس الأسلحة وأكثرها قذارة سلاح الإشاعة ورمي التهم جزافاً، وكأنهم مخلدون في هذه الفانية، ناسين طائر الموت الذي يتخطف فرائسه صباح مساء.. حسبنا وحسبكم الله ونعم الوكيل.
كلمة عزيزة
لدواعي حلقة تلفزيونية تواصلت مع أحد الأخوان من المستثمرين، وهو الأخ رجل الأعمال “عبد المنعم صديق” علمت أنه متواجد في فرنسا برفقة مستثمرين سودانيين للمشاركة في معرض زراعي هناك، بمبادرة شخصية منهم، وطبعاً ده في غياب كامل لأجهزة الدولة الرسمية (الما فاضية من معارك الحل والبل)، وما بين القوسين من (عندياتي) عشان ما تبقوا للرجل في رقبته، والله شيء مؤسف هذا الانزواء والابتعاد عن المحافل التي نستطيع أن نعرض ونستعرض فيها محاصيلنا ومنتجاتنا السودانية المتفردة التي ليس لها مثيل في العالم.. الله غالب.
كلمة أعز
الذين يحرضون الشباب على الاحتجاج والتظاهر يجهلون أنهم بهذا الاستهلاك يفقدون المظاهرات قوتها وهيبتها وأهميتها، وتصبح نقمة وليست نعمة.