.. قليل من الأعمال الدرامية هي التي تلفت نظرك هذه الأيام في ظل القبح الذي بات يغطي على كل شيء، حتى الإبداع من أدب وغناء وأعمال سينمائية ومسرحية ودرامية وهذه الأخيرة على وجه التحديد أصبحت مصدراً للإزعاج والقلق بعد أن كانت مساحات للسعادة والفرح والمشاركة الأسرية والاجتماعية وحتى الأعمال المسرحية والدرامية السودانية المحلية على قلتها وندرتها كانت تفعل فينا كل هذا وأكثر، لعلنا لا زلنا نذكر عدداً مقدراً من هذه الأعمال التي لا زالت بأسمائها خالدة في ذاكرتنا والتي تتصدرها الأعمال المصرية ومن ينسى أفلام “فاتن حمامة وعمر الشريف والفارس أحمد مظهر ومحمود يس ونجلاء فتحي” واللدودتان “نادية الجندي ونبيلة عبيد”، وفي مرحلة لاحقة “عادل إمام ويسرا” ووجوه الأعمال التلفزيونية المميزين الذين صاروا جزءاً من حياة الناس عندما كانت هذه الأعمال على مستوى يستحق الاهتمام والمتابعة وليس كما هو الحال الآن .. ولكن بين وقت وآخر تلتقط بعض القنوات العربية بعضاً من هذه الأعمال الراقية لتعرضها على شاشتها ومن بينها ما تعرضه الآن إحدى القنوات العربية لمسلسل (الأصدقاء) الذي أخرجه “إسماعيل عبد الحافظ” عن قصة وسيناريو وحوار “كرم جابر” مع عدد من نجوم الدراما المصرية أصحاب الأداء المميز .. وتدور فكرته حول معنى وقيمة الصداقة الحقيقية بين الناس في ظل تعقيدات الحياة بتفاصيلها التي أثرت على هذه العلاقات النبيلة .. اختار مخرج المسلسل ثلاثة من أكثر الممثلين المصريين قدرة على أداء الأدوار المعقدة المليئة بالانفعالات النفسية والمفاجآت السلوكية بجانب التفاصيل الدقيقة ذات الدلالات الكبيرة التي تحتاج للقدرات العالية في الأداء ليضعها الممثل المعني أمام المشاهد المتابع بذكاء مفصل للموضوع وموضح للفكرة .. “صلاح السعدني وفاروق الفيشاوي ومحمد وفيق” تصوروا كتبتها (محمد رغيف) : معليش يا أخوانا حلم الجعان عيش) .. هؤلاء المبدعون الثلاثة يضعهم هذا المسلسل في عقدة القصة التي تحكي قصة ثلاثة أصدقاء تفرقت بهم السبل والسنوات لتجمعهم مرة أخرى وقد أصبح “السعدني” عالماً كبيراً في مجال الذرة وبين يديه بحث شديد الأهمية كما أصبح “محمد وفيق” مستشاراً (قاضياً) مرموقاً و”فاروق الفيشاوي” الاشتراكي الذي تنقل بين المعتقلات والسجون مدافعاً عن أفكاره إلا أنه يرتبط بابنة مليونير مع احتفاظه بصورته الرائعة لدى صديقيه اللذان يخوضان معه تجربة صداقة جديدة يحاولون فيها الحفاظ على ما تبقى لهم من حظ صداقة في هذه الحياة، وبين تداخلات الماضي بأحداثه وذكرياته بسعادتها ومراراتها تختلج مشاعر هؤلاء الأصدقاء الذين يجاهدون للتوفيق بين ما يفعلون من أجل صمود صداقة عمرهم وبين حياتهم الأسرية بمشكلاتها وتعقيداتها هي الأخرى .. هل سينجحون؟ .. لا أدري فلا زلت أتابع المسلسل بلهفة ولكن أرجو أن تعودوا أنتم أيضاً للبحث عن صداقاتكم القديمة بذكرياتها الجميلة الصادقة واجتهدوا من أجل الحفاظ عليها في زمان باتت فيه مثل هذه العلاقات نادرة بل منعدمة مع كل رهق الحياة وصفوف الرغيف والبنزين والغاز و… (أشياء تانية حامياني).