وبعد مضي عام من ثورة ديسمبر التي أفضت للتغيير عادت المواكب مجدداً، أو بالأحرى هي لم تنقطع طيلة هذه الفترة بأسباب واهية تحركها كالعادة أيدٍ خفية من لدن (قحت)، لكن أعني أن ذات سيناريوهاتها الأولى أعيدت مجدداً بتصدي الشرطة لها هذه المرة، وقد ترك لهم حبل المواكب ملقى على الغارب في كل مليونياتهم التي تقلصت لمئات بعد أن استمرأوا الخروج بسبب وبدونه.
ولم لا يستمرئونه طالما يلتقيهم الوزراء ملفحين بأعلام السودان، وكذا أعضاء السيادي من المدنيين، ويسمحون لهم بالعبور إلى القصر، ليس ذلك فحسب بل يخرج لهم رئيس الوزراء بنفسه لاستلام مذكراتهم التي لا ينضب معينها، ففي كل يوم عندهم موضوع جديد يضغطون به على الحكومة التي تستجيب لتلك الفوضى، ربما من باب اختصار الأمر وعدم تصعيده، وحتى ترجع المواكب التي ظلت تعطل الحركة في شوارع الخرطوم بصورة مزعجة غير مبالين لتداعيات ذلك.
أن يخرجوا على حكومتهم فهذا جائز، لكن أن يخرجوا على المؤسسة العسكرية في محاولة للضغط عليها وإثنائها عن قرار درجت على اتخاذه طيلة مسيرتها الطويلة، فهذا هو الجنون بعينه والمستحيل، هل يظنون أنهم بهكذا موكب سيرهبونها وتتراجع ظنا منهم أنما صمتها وصبرها وصمودها أمام الاستفزازات إنما هو ضعف، ولا يعلمون أنه حكمة وبصيرة وضبط للنفس تعلموه في ذات مدرسة العسكرية.
لا أدري ما هو رأي العالم حولنا الآن، وشوية صبية يخرجون على الجيش، أليس لهؤلاء مسؤول يمنعهم ويثنيهم عن هذه الخطوة التي ربما تعجل بسقوط حكومتهم سيما أنها ــ أي القوات المسلحة ــ ملت الاستفزازات والتطاول، فضلاً عن الأوضاع المعيشية المتردية، وأعتقد أن حديث القائد “حميدتي” لقناة سودانية (24) كان رسالة واضحة لا تحتمل التحدي.
قال البعض ليتنا ضمنا وصاية المدنيين على العسكر، للحق غلبني التعقيب على هذه الهطرقات، هنالك حديث يصعب الرد عليه.
كنت أظن أن الملازم أول “محمد صديق” الذي لأجله خرج هؤلاء ينددون بقرار المؤسسة العسكرية، ومن باب ذات العسكرية أن يتصدى لهم ويمنعهم، شاكراً لهذه الوقفة، لا أن يلزم الصمت وكأنه يتلذذ بما يجري، وهو لعمري أمر خطير والشباب يواجهون مجدداً خطر البمبان والرصاص، رغماً عن أني أشكك في خروج الشارع كما الأول فقد وعى الكثيرون الدرس.
عموماً نتمنى أن لا تتصاعد الأمور أكثر من ذلك، وأن يرتدع الشباب الموجه عن هكذا مواكب مزعجة ولو كانت هذه المواكب من أجل معاش الناس كما هدفها الأول والأساسي، لوجدوا منا الدعم لكن (تعاينوا للفيل وتطعنوا ظله) وتدورن في حلقة مفرغة، فلا ولن تجد منا سوى الاستهجان.. والله المستعان.