ربع مقال

قم للمعلم!!

د. خالد حسن لقمان

معروف عن السلطان الراحل “قابوس بن سعيد” سلطان عُمان أنه كان لديه بروتوكول خاص به، وهو أنه لم يذهب إلى المطار قط لاستقبال شخصيات من أي بلد، ولم يكسر هذا التقليد إلا عندما استقبل رئيس الهند في نهاية الثمانينيات “شانكار ديال شارما”، وتعجب رجال حكومته ورجال الإعلام عندما شاهدوه يصعد سلم الطائرة، ويعانق الرئيس قبل أن يقوم من مقعده، ونزل معه، متشابكي الأيدي، وما إن وصلا إلى السيارة، حتى أشار السلطان للسائق أن يبتعد، وفتح الباب الأمامي بنفسه للرئيس حتى جلس، وحل هو مكان السائق وأخذ يقود السيارة حتى وصل به إلى القصر السلطاني.
وفي وقت لاحق عندما سأل الصحافيون السلطان عن سبب ذلك، أجاب قائلاً: (لم أذهب إلى المطار لاستقبال السيد “شارما” لأنه كان رئيساً للهند، ولكنني ذهبت لأنني درست في بونا بالهند، وكان السيد “شارما” هو أستاذي الذي تعلمت منه كيف أعيش وكيف أتصرف وكيف أواجه المصاعب، وحاولت أن أطبق ما تعلمته منه عندما قدر لي أن أحكم.
وهذا التقدير هو الذي أثار إعجابي من تصرف السلطان، ولا يقل عنه إعجابي بالرئيس الروسي “بوتين”، عندما شاهد معلمته العجوز بين حشد من الواقفين، فما كان منه إلاّ أن خرق البروتوكول وسط دهشة مرافقيه وحراسه، وذهب إلى معلمته وعانقها وعانقته وهي تبكي، وأخذها وهي تمشي بجانبه وسط إعجاب الحضور وكأنها ملكة.
وفي سياق آخر، فقد جاء أن مُعلم “المأمون” ضربه بالعصا دون سبب، فسأله “المأمون”: لِمَ ضربتني؟! فقال له المعلم: اسكت. وكلما أعاد عليه السؤال، كان يقول له: اسكت، وبعد عشرين سنة تولى “المأمون” الخلافة، عندها خطر على باله أن يستدعي المعلم، فلما حضر سأله: “لماذا ضربتني عندما كنت صبياً؟!” فسأله المعلم: “ألم تنس؟!” فقال: “والله لم أنس” ، فرد عليه المعلم وهو يبتسم: “حتى تعلم أن المظلوم لا ينسى” وعاد ينصحه قائلاً: “لا تظلم أحداً فالظلم نار لا تنطفئ في قلب صاحبها، ولو مرّت عليه الأعوام” .
ما دعاني لأعرض عليكم هذه المادة الإسفيرية الرائعة والتي أكرمني بها الصديق الدكتور الإعلامي النابه “عبده داؤود” هو ما بدا أخيراً كظاهرة قبيحة أحدثت شرخاً مريعاً في صورتنا الذهنية لطبيعة العلاقة التي ألفناها وتعلمناها بين المعلم وتلميذه وطالبه، وأياً ما كانت الأسباب التي قد يراها البعض مبررة لفعل صادم كهذا فإن هذا الفعل بقبحه يظل من الأفعال المرفوضة تماماً لدينا كمجتمع سوداني يقدر قيمة العلم ويجل المعلم ويحترمه
وعلى كل شبابنا وشاباتنا أن يعلموا يقيناً كم هو عظيم أن يحترموا ويوفوا لمن علمهم وأنار لهم الطريق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية