صمام أمان بلا منازع
أمل أبو القاسم
عاب عليَّ البعضُ تحيُّزي الكبير للجهات الأمنية، وأنني (كترت المحلبية) جادلتهم بالحسنى والمنطق، وأزيد هنا كتعزيز لقناعتي الفائقة لهذه الأنظمة، وهي ليست وليدة أو صنيعة لحظة، فمنذ بداية الحراك، وعندما كان الناس ينادون بـ(مدنيااااو) كنت أنا أردد (عسكرياااااو)، وأذكر أنني وقبيل يومين من فض الاعتصام عنونتُ بها مقالي، ثم عدت بعد الفض للومه والعتاب عليه كونه سمح بما وقع. بيد أنه ومع كل ذلك، لا ينكر إلا مكابر أنَّ الجيش كان حارساً للثورة منذ أن بدأت ملامح التغيير في التبلور للحد الذي سمح لهم بالإيواء، عندما اعتصموا بدوره ومحيطه ذات نهار من شهر إبريل، وظلوا به لعدد من الأيام، فعلوا ما فعلوا بها في سابقة لا أظن أنها حدثت في أي من الدول المحيطة، فهذه المناطق تحديداً محظورة، وتتمتع بمحاذير كبيرة، ويُضرب عليها سياج من السرية والاقتراب، وإن كانت هذه المنطقة المفروض أنها ممنوع الاقتراب والتصوير منها، فلعمري أن ما وقع بها لهو كرم حاتمي وتساهل ليس بعده تساهل، كيف لا؟ وفوق كل هذا وذاك انخرط بعض الأفراد من الجيش الذين كانوا يطوقون المكان ويحرسون الثوار انخرطوا معهم في أنسهم وأناشيدهم وغناهم، وتقاسموا معهم اللقمة، بل ظل يقدمون لهم السقيا، ويقدمون فواصل غنائية وعزفاً وغيره، حتى لظننا أن هذا ليس سوى ضعف وهوانٍ من القوات المسلحة.
لكن ما حدث بعد فض الاعتصام وحتى الآن يبين مدى النكران لكل ما قدمه هؤلاء، ولكل ما تشاركوا فيه من رغبة في التغيير وحراسة الثورة، مثلهم والثوار، فانقلبوا عليهم ووصموهم وشتموهم بأقذع العبارات، لا بل بلغ بهم الحال والغبن غير المبرر لمد الأيدي عليهم وتشييعهم بالسب والتقليل منهم وعبارة (معليش معليش ما عندنا جيش)، تلاحقهم أينما حلوا، ثم ومع كل ذلكم الأذى النفسي والعصبي والجسدي، لم ينبس المستهدفون ببنت شفة، وأعتقد أن هذا قمة الحلم والالتزام بأدب العسكرية.
العسكرية التي يبدو أن ضوابطها وعقيدتها وفنونها تتماهى مع المثل القائل (لكل مقام مقال)، كما جسدوا بيت الشعر على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ/ وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ. فكانت هبتهم عشية غضبة ضباط هيئة العمليات (بعيداً عن أحقية ضباط الأمن وغيره) وأعني التكتيكات والقوة العسكرية والأسلحة النوعية التي تتمتع بها خير دليل على أن الجيش هو نفسه الذي نعرفه.
بقي أمر، وهو أن كل الأجهزة الأمنية بلا استثناء تعمل على قلب رجل واحد، همها الأول والأوحد هو حماية البلاد ككل بدءاً من حدودها وثغورها، وليس انتهاء بالداخل، فضلاً عن حراستها للثورة والتغيير، ولطالما ردد ذلك قادةُ الأجهزة الأمنية وعلى رأسهم رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد الأعلى للجيش “عبد الفتاح البرهان” في أكثر من موقع ومناسبة، وكذا نائبه القائد “حميدتي”. وعقب أحداث يوم (الثلاثاء) تأكد وأكد رئيس المجلس السيادي الشراكة التي لا يعكرها صفو بينهم والعسكر بل عدد من قادة الحرية والتغيير. وأعتقد أن طابور العرض الذي أجرى بمدينة الفولة من قبل الجيش وتأكيدهم تأمين المدينة وحماية الثورة ضد أي استهداف أو فوضى لهو خير دليل.
فيا أخوتي وسادتي البلاد تمر بمنعطف خطير على كافة الصعد ولا تجدي مع ذلك الانقسامات والتشرذم والتعبئة المضادة التي يمكن أن تفتت عضد المجتمع الخاسر الأول. ليتكم تلتزموا بما قطعتموه مسبقاً من القوى الأمنية فهي شئنا أم أبينا صمام أمان البلاد بلا منازع.