رأي

يوم في حضرة البشرية وتجارها(1)

أمل أبوالقاسم

نعم ..نزفت البلاد كوادر بشرية هجرة ولفظتهم بعد أن عز عليهم المقام الطيب في موطنهم وبين ظهراني أهليهم فخرجوا يتلمسون الخطى بعيداً وهم يتأبطون شهاداتهم وكذا خبراتهم ليهبوها ويتمتع بها آخرون لقاء عائد مجزٍ وإقامة مستوفاة للشروط ومستقرة . بيد أنه وفي المقابل تشكلت هجرة أخرى بذات الدوافع لكنها تختلف معنًى ومبنًى، عائدها ليس بمجزٍ بل مؤذٍ إنهم طالبو الهجرة غير الشرعية التي تحولت لتجارة ذات عائد ضخم يذهب لجيوب أشخاص عبر قنوات عدة، نشطت فيها مجموعة استطاعت وبموجب روح الشر وموت الضمير وتكنيك الاحتيال أن تبيع الوهم لشباب بسطاء أغلقت أبواب الدنيا في أوجههم فهاموا على وجوههم تتلبسهم الحيرة والإحباط فأصبحوا بذا صيداً سهلاً لعصابات الاتجار بالبشر وقد زينوا لهم الحياة في أبهى صورها فتعلق الضحايا بهم، كيف لا وقد مثلوا لهم الخلاص وأعادوا نبضهم، فالقادم من المؤكد مشرق بالنسبة لهم وارتياد الصحراء براً ثم المتوسط بحراً لهو سهل طالما الجنة في انتظارهم بأوربا فكفكفوا همومهم وأفردوا شراع آمالهم وعكفوا على جمع ما يعينهم، أو بالأحرى يعين جلاديهم وما دروا أن جهنم هي الأخرى تفرد أذرعها لاستقبالهم.
وهناك عند الكيلو (79) من طريق شريان الشمال كنا نقف مذهولين شهوداً على أبشع عملية اتجار بالبشر، والبشر قد تحولوا لكائنات عبارة عن جسد بلا روح. مجموعة من الشباب بلغ عددهم (138) من جنسيات مختلفة ( سودانيين، ليبيين، إثيوبيين، وتشاديين) بعضهم بلغ مثلث الرعب بشق الأنفس فتلقفتهم قوات الدعم السريع والبعض الآخر تمكنت وبحرفية من إحباط تهريبهم فضبطتهم جميعاً وعلى رأسهم العصابة المكونة من (٣٣) بينهم (24) ليبياً و(9) سودانيين، كذا الـ(18) عربة التي كانوا يستخدمونها في عملية التهريب. عندما وصلنا تلكم المنطقة الخلوية بطريق الشريان وجدنا أن قوات الدعم السريع بعدد مقدر من عتادها ورجالها وبعد اقتيادهم لكل هؤلاء بمقتنياتهم من منطقة المثلث الحدودي تلكم المنطقة التي تعد سوقاً رائجاً بوصفها معبراً من وإلى. وجدناهم وقد رتبوهم حسب تصنيفاتهم مُهرِبين، ومُهرَبين، وعصابات، بحسب أجناسهم حتى أولئك الذين تعرضوا للتعذيب كانوا يجلسون إلى بعضهم، فضلاً عن مخدرات عبارة عن قناديل بنقو قدرت بعشرات المئات. توطئة لإطلاع الإعلام عليهم عبر مؤتمر صحفي أقيم بالمكان حضرته كل وسائل الإعلام المحلية والعالمية. قد تكون هذه ليست بالمرة الأولى التي تتمكن قوات الدعم السريع من إحباط وقبض مهربين لكنهم حرصوا هذه المرة على إشراك الإعلام ربما من قبيل تشكيك البعض وطعنهم في إنجازاتها لاسيما التي تنفذها على الحدود لعدد من المحاور والقضايا التي عرفت بجرائم الحدود والاتجار بالبشر واحدة منها.
لكن أن ننقله أو نطلع عليه كخبر يختلف كثيراً من أن نعايشه واقعاً مُراً ونحن نستمع لإفادات الضحايا المؤذية للنفس، ولكل منهم قصة تختلف وأشد قسوة عن سابقتها، قاسمها المشترك إهانة الإنسانية، والتعذيب بشقيه، والسخرة، والابتزاز وغيره.
تحدث الضحايا عن الإهانة التي تعرضوا لها وقد بدا لي وأنا أرسم المشهد في مخيلتي كأنه فيلم رعب أبطاله عصابات نزعت منها الرحمة وهم ينفثون سمهم في جسد أولئك الذين تعرضوا لأبشع صور العذاب، حيث كان يدس بعضهم في حاويات وآخرين في غرف سعة الواحدة رغم ضيقها أكثر من عشرين يحشرونهم كالبهائم عبر الشبابيك ويظلون على هذا الوضع بالشهور، زادهم وجبة أرز أبيض ليست يومية، يحرمون منه والماء في حال تعسر ذويهم بالسودان أو داخل الأراضي الليبية في دفع الفدية المقدرة بآلاف الدينارات الليبية، مضافاً إليه الضرب المبرح ومن ثم تصويرهم بهذا الوضع حتى يستثيروا أهليهم. هذا بخلاف الذين يتم استخدامهم في المزارع بلا مقابل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية