دعونا نعترف بأن بلادنا هذه لها خصوصية لا تشبه بلاداً غيرها، وهي خصوصية فرضتها اختلافات وتنوعات في الثقافة وفي المناخ وفي المزاج وحتى المعتقدات الدينية، لذلك لن ينفع أن نسقط عليها تجارب الآخرين أو نحاول مجاراتهم ومحاكاتهم في تجارب الحكم أو الحياة أو أي تجارب أخرى، وهي جميعها أسباب تجعلنا مطالبين بأن (نقعد في الواطة دي) ونكون منطقيين وعقلانيين ولا ننساق وراء الهتافات والشعارات التي تحتاج لكثير من التفكيك والدراسة وأيضاً المعالجة، أقول هذا الحديث وأنا على قناعة بأن الثورة السودانية التي تكاملت في ديسمبر المجيد، لا تشبه أياً من ثورات الربيع العربي التي سبقتها أو التي ستعقبها، لأنها ثورة واعية وناضجة ومولودة بأسنانها، قدمت نموذجاً للسلمية التي ما كان أحد يعتقد بأنها قادرة أن تهزم نظاماً كنظام الإنقاذ، والتفرد الأكبر فيها أنها لم يقدها شخص ولا حزب ولا كيان، هذه ثورة خرجت متزامنة بشكل عجيب من كل بيت سوداني، وكأن الجميع كانوا على اتفاق على الزمان والمكان والآلية، وهؤلاء هم الأحق بأن يبذل من جاءوا بهم إلى سدة الحكم، كل جهدهم بنصرة قضاياهم وتحقيق آمالهم وأحلامهم، وهذه الأهداف لن تتحقق ما لم يغتسل الجميع من الأنانية وما لم يرتضوا حكم العقل والمنطق والمصلحة العامة حفظاً لاستقرار البلد وأمنها وأمانها، واستقرار البلد وأمنها وأمانها يفرض أن لا تتسرع الحكومة على الأقل الآن، في إعفاء ولاة الولايات العسكريين واستبدالهم بمدنيين حتى لو كان هذا مطلبهم وخيارهم، وكلنا نعلم أن بلادنا لا زالت تحت خط النار وعلى مرمى قناصة الاستهداف والمطامع والمصالح، مما يجعل خيار الإبقاء على الولاة العسكريين هو الخيار الأوفق والأسلم، لا سيما وأن أصحاب البزات العسكرية هم من الشعب وله وبه، انتماؤهم للمؤسسة العسكرية رصيد يضاف إليهم ولاي خصم منهم شيئاً، والشارع السوداني بالمناسبة يتقبلهم بكل مكوناته ويثق فيهم، وفوق ذلك وجودهم الآن على رأس حكومات الولايات ضمان كبير لاستقرار البلاد وضامن رئيسي لأي إجراءات اقتصادية ستتخذها الحكومة وهم يستطيعون الوقوف في وجه التهريب والنزيف المتعمد لاقتصادنا الذي يتسرب من حدودنا المفتوحة من كل الاتجاهات.
لذلك لا أظن أن وجود ولاة عسكريين علي رأس حكومات الولايات يقلل من حقيقة التوجه نحو حكم مدني، لأن المرحلة تتطلب ذلك والظروف تفرض ذلك وخصوصية بلادنا تحتم ذلك، وهؤلاء القادة معظمهم عمل في الولايات ويعرف طبيعتها ويدرك تفاصيل مكونات مجتمعها، والأهم أنهم وأكاد أجزم بذلك، يجدون القبول من مكونات المجتمع دون تصنيف لهم بأنهم تبع الحزب الفلاني أو الكيان العلاني، والقوات المسلحة ظلت على طول تاريخها ملكاً للشعب السوداني جميعه، تدافع عنه حيثما كان النداء والواجب، أن تكون شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، لذلك تحرك العقل الجمعي السوداني نحو القيادة العامة ليعتصم المتظاهرون أمامها، لأنهم يعلمون أنهم ذهبوا لأبنائهم وإخوانهم الذين سيدافعون عنهم ويحتووهم وينحازوا لخيارهم.
} كلمة عزيزة
لا أدري تحت أي مبرر أو مسوغ وقع رئيس الوزراء، دكتور “حمدوك” اتفاقاً مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان لفتح مكتب لها بالخرطوم، في وجود مفوضية قومية لحقوق الإنسان بالسودان، فكيف ستكون طبيعة العلاقة بين المفوضية ومكتب المفوضية السامية، ودعوني أقول إنه كان الأفضل والأنسب أن تقوم حكومة “حمدوك” بحل المفوضية القومية وتعيين خبراء قانونيين غير مصنفين أو منتمين لحزب، وكفاءات متفق عليها للقيام بأعباء الدفاع عن حقوق الإنسان بدلاً من وجود مفوضية خيال مآتة، وبدلاً من هذا الوضع الغريب وغير الطبيعي والذي أخشى أن تتحول فيه مكاتب هذه المفوضية السامية إلى يوناميد جديد، يتوهط في مفاصل البلد ومصارينها.
} كلمة أعز
نحتاج في الفترة القادمة للأصوات الصادقة والناصحة، والأهم من ذلك نحتاج للآذان التي تسمع والقلوب التي تؤمن وتصدق ما يقال بتجرد وشفافية، وإلا لن نخرج من هذه الحفرة.