مُلاك مربع (21) حي الأندلس.. من ينصفهم؟!
{ مدخل:
ربما يمكننا واقع الحال من تصنيف هذا الملف ضمن عشرات القضايا التي تنضوي تحت عرش إمبراطورية التلاعب في الأراضي.. قصص وحكايات لحالات تعدٍ امتلأت بها الساحات القضائية والعدلية.. أبطالها ضحايا لا حول لهم ولا قوة امتدت معاناتهم إلى سنوات استنزفت مالهم ووقتهم.. من بين تلك القضايا ملف (ملاك مربع 21 الأندلس).. نعم، لكم أن تتصوروا، مربع كامل يتم التعدي عليه في وضح النهار رغم أن ملاكه يحملون مستندات وأوراق رسمية من شهادات بحث وغيرها حررتها لهم الجهات المختصة نفسها.
المواطن “أحمد عبد الله” أحد الذين تم التعدي على أراضيهم، أضناه البحث عن وسيلة يستطيع من خلالها إعادة أرضه التي تحمل الرقم (51) بمساحة (300) متر بمدينة الأندلس مربع (21) بالخرطوم، لم يترك “أحمد” باباً إلا وطرقه ليصبح بعد ذلك بلا عمل بعد إن قام بإلغاء إقامته بالمملكة العربية السعودية لإيجاد وسيلة يعيد بها حقه المغتصب، وهو العائل الوحيد لأسرته الكبيرة والصغيرة بعد أن أضحت- الأرض- همه الأول والأخير، ويشاركه في الهمّ (122) مواطناً تم الاعتداء أيضاً على أراضيهم بذات المربع، لتصبح بعد ذلك قضيتهم سبباً في ترددهم المتكرر على مكاتب الجهات المسؤولة علها تنصفهم!!
{ احتلال
قضية ملاك هذا المربع هي ليست الأولى من نوعها، وربما لن تكون الأخيرة.. معاناة يجسدها (123) مالكاً حين تم التعدي على أراضيهم قبل أكثر من خمسة أعوام من قِبل (قوات فاولينو) التي عمدت إلى احتلال المربع (بالسلاح) عقب توقيع اتفاقية السلام تحت مسمى (قوات السلام)!
يقول أحد المتضررين إن هذه القوات مارست حقوقها كاملة داخل المربع من بناء وسكن، ولاحقاً بيع وتمليك! ثم ادعت أنها أصبحت قوات حكومية، حينها لم تستطع السلطات فعل شيء حيال ما يحدث، وما كان منها إلا أن رفضت تسليم أي مواطن أرضه خشية وقوع اشتباكات بين القوات والمواطنين الذين وعدتهم بتسليمهم الأراضي حال وقوع الانفصال، وعندها انصاع الملاك إلى طلب الدولة ورغبتها.
{ صراع شمالي- شمالي
مربع (21) الأندلس هو تعويض لملاك القطع الزراعية (الساقية) (255/255/1) بإدارة النزاع والتسويات بعد نزع (15) فداناً من قِبل الحكومة.. هذا المربع عبارة عن (123) قطعة بأسماء المعوضين بعد استخراج العقد وشهادات البحث وتسديد قيمة الأرض كاملة.. الملاك الذين منوا النفس باسترجاع ما تم احتلاله ألجمتهم الدهشة عندما تفاجأوا ببيع الأراضي من قبل القوات إلى مواطنين شماليين ليحلوا محلهم دون مستندات وبأوراق مزورة يدعون فيها أنهم لجنة شعبية لحي (الكرمتة) مربع (17)، ليتحول الصراع إلى منحى آخر!! وأصحاب الحق محرومون من استرداد حقوقهم، لتبدأ بعد ذلك رحلة طويلة بين مكتب الوالي، ووزارة التخطيط العمراني (مصلحة الأراضي)، ومعتمد جبل أولياء
“أحمد عبد الله” ورفاقه، أنصفهم الوالي وتجنى عليهم معتمد محلية جبل أولياء عندما قام بإقاف قرار الإزالة الذي أصدره الوالي لإعادة الحقوق إلى أهلها!!
يقول “الطيب عبد الله شريف” محامي لجنة متابعة أراضي الملاك ومستشارها القانوني، إن جهود أصحاب هذه القطع السكنية لم تذهب سدى، فقد استطعنا الحصول على أمر من الوالي بإزالة المساكن العشوائية وتسليم الملاك القطع السكنية، بالإضافة إلى قرار إزالة من مدير عام مصلحة الأراضي بإزالة التعدي الواقع على مربع (21) الأندلس، وبعد صدور هذين القرارين قامت الجهات المنفذه لقرار الإزالة بهدم وإزالة (40) منزلاً بعد إعطاء القاطنين بالمربع إنذاراً مدته أسبوعين لإخلاء المربع، ولكن تفاجأنا بتدخل معتمد جبل أولياء وإصداره أوامر بوقف الإزالة!
{ حاكم وجلاد
ويواصل “الطيب” حديثه قائلاً: لقد تبنت المحلية حلاً ودياً بعد أن تقدم الساكنون عشوائياً بشكوى إلى وزير التخطيط العمراني ضد مدير عام مصلحة الأراضي وشكوى أخرى ضد وزير التخطيط العمراني إلى الوالي، ليأتي رد الوالي شافياً لنا بإخلاء القطع السكنية المعتدى عليها، ولكن المعتدين رفضوا الحل الودي والانتقال إلى مكان آخر وتوجهوا إلى منظمة لحقوق الإنسان التي بدورها قامت بالتأثير على معتمد جبل أولياء ليصدر قراراً بوقف الإزالة.
ويشير “الطيب” إلى أن قرار المعتمد بإيقاف الإزالة إلى حين انتهاء العام الدراسي في مارس المقبل وإيجاد بدائل لهم، يأتي منافياً لما تنص عليه الفقرة (42/2 ب) من قانون التخطيط العمراني لعام 1994م، التي تنص على إصدار قرارات إزالة للأراضي الحكومية التي تقع عليها تعديات، ويقول: هذه المهلة التي أعطيت للمعتدين دون الرجوع الى الملاك الحقيقيين أضرت بهم حين قام- المعتمد- بتعطيل الإجراءات! ويضيف: كيف تسنى للمعتمد أن يصدر ذلك القرار وهو جهة تنفيذية وليس صانع قرار؟!
{ لي عنق القانون
ليس الملاك الحقيقيون وحدهم الذين تقدموا بتظلم، فقد تقدم القاطنون بالمربع أيضاً بتظلم إلى الوالي من قبل المحامي “جعفر كجو الفكي” الذي جاء رده على النحو الآتي:
(إشارة إلى الموضوع أعلاه (تظلم) والمقدم نيابة عن عمار سيد سليمان محمد وآخرين بخصوص قرار الإزالة بمربع (21) الأندلس أنقل لكم إفادة وزارة التخطيط والبنى التحتية، أنه بعد المراجعة فإن المذكورين يقيمون عشوائياً وليس لديهم أي مبررات أو مسوغات قانونية تبرر اعتداءهم على أراضي الغير كما أنهم يقيمون عشوائياً على قطع مسجلة، أما بخصوص إنذارهم بالإخلاء فهذا أمر غير صحيح، حيث إن أمر الإزالة تسبقه زيارة ميدانية وعليه يتم إخلاء القطع السكنية لتعويضات ملاك القطع الزراعية المنزوعة..
“عبد الله محمد علي فضيل” المدير التنفيذي لمكتب الوالي بالإنابة).
انتهى نص الرد على التظلم إلا أن فصول معاناة الطرفين لم تنته، رغم أنها تؤكد أن الطرف الأول له كامل الأحقية في استرداد حقه المسلوب وتقول للطرف الثاني (إن القانون لا يحمي المخدوعين)!!
وواقع الأمر يؤكد أن المعتمد حاول أن يحمي (ساكناً عشوائياً) ويقدم له الحماية الكاملة على مالك لديه كل الإثباتات التي تدل على حقه.. هذا ما أكده المحامي “الطيب عبد الله” حين قال: تقدمنا بثلاثة طلبات إلى المعتمد لتأكيد الضرر الواقع على الملاك الحقيقيين ولم تجد طلباتنا سوى التجاهل وعدم الرد. ويواصل: تقدمنا بشكوى إلى الوالي الذي بدوره خاطب المعتمد مطالباً بتوضيح وقف أمر الإزالة، فما كان من المعتمد إلا أن قام بحفظ خطاب الوالي في جرأة يحسد عليها حين يعتدي على القانون و(يلوي) عنقه!!
من جانبه، ناشد “الطيب” (الوالي) التدخل السريع لحل المشكلة وتسليم القطع إلى أصحابها وإنصافهم ورفع الظلم عنهم.
وبعد..
إلى هنا انتهى حديث رئيس لجنة الملاك ومستشارها القانوني، إلا أن المشكلة لم تنته بعد، ليطل هنا سؤال يقول: هل (الإنسانية) وحدها هي التي قادت المعتمد إلى (كسر) القوانين وإلغاء القرارات أم أن هناك أمراً آخر؟ ألا يكفي المعتمد التجني الذي وقع على أصحاب الحق الأصليين ليضيف إلى عبئهم أعباء أخرى؟ لماذا لم تأخذه بالمالكين الرحمة والشفقة بعد انتظار دام لأكثر من خمسة أعوام؟!