عبد المنعم مادبو
خمس ساعات قضتها مدينة نيالا حاضرة جنوب دارفور على وقع مسيرات ومواكب جماهيرية، شارك فيها آلاف من مواطني المدينة استجابة لدعوات من تجمع المهنيين بالولاية ولجان المقاومة بأحياء المدينة، تضامناً مع أسر ضحايا الأحداث الأمنية التي شهدتها محليات “مرشينج، وقريضة، وحي كرري” الأسبوع المنصرم والتي راح ضحيتها (13) شخصاً وجرح آخرين.
وقال تجمع المهنيين في دعوته إن المسيرات تأتي تضامناً من أسر شهداء التفلتات الأمنية بالإضافة إلى المطالبة بإقالة والي الولاية الذي يتهمونه بالتقصير في حماية مواطني الولاية.
* تنديد بالتردي الأمني
ورفع المحتجون في المسيرات – التي انطلقت منذ التاسعة صباح (الإثنين)، واستمرت حتى الثالثة والنصف عصراً- شعارات تندد بتراخي سُلطات الولاية في حفظ الأمن في هذا التوقيت الذي تزداد فيه الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين مع اقتراب مرحلة الحصاد الزراعي، بالإضافة إلى المشكلات التي عانت منها الولاية خلال الأيام الماضية الخاصة بشح الوقود ودقيق الخبز الذي دفع طلاب المدارس بمرحلتي الأساس والثانوي إلى الخروج في مظاهرات عنيفة يومي (الأحد والإثنين) والتي واجهتها قوات الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع، ما أسفر عن إصابة نحو (20) طالباً وطالبة بحالات اختناقات تم إسعافهم على إثرها إلى مستشفى نيالا التعليمي.
*مسارات مواكب (الإثنين)
وانطلقت مظاهرات أمس الأول (الإثنين)، بحسب المسارات التي حددتها لجان المقاومة بالأحياء، حيث تجمع المحتجون من الأحياء الجنوبية بميدان كوبر، وتوجهت عبر شارع الشهيد “عبد العظيم” إلى تقاطع يشفين، لتلتقي مع مواكب نيالا شرق عند تقاطع صينية السينما، بينما تجمعت مواكب أحياء نيالا شمال في تقاطع الكنغو مع جبل مرة واتجهت جنوباً نحو المسجد الكبير عبر شارع الجمهورية، أما مسارات خرطوم بليل وامتداداتها والسلام والدروة والنهضة وقشلاق الجيش والشرطة فتجمع المحتجون في تقاطع طلمبة “كنكورب” وتحركت إلى صينية المحكمة حيث إلتقت هناك كل مواكب المدينة عند الساعة الواحدة ظهراً، ووصل المتظاهرون إلى منزل والي جنوب دارفور، الذي أحكمت عليه الأجهزة الأمنية طوقاً أمنياً محكماً لمنع دخول المتظاهرين الغاضبين إلى داخل المنزل، كما سمحت الأجهزة الأمنية للمواكب أن تمر بين قيادة الجيش وأمانة الحكومة، وأحرق المتظاهرون إطارات السيارات في الشوارع الرئيسية ومواقع تجمعات المواكب، بينما رفع البعض لافتات طالبوا فيها بإزاحة رموز النظام السابق عن المؤسسات الحكومية.
* عند نقطة الالتقاء
وقضى المتظاهرون- بحسب متابعات المجهر- أكثر من ثلاث ساعات في صينية المحكمة، بالقرب من رئاسة الجهاز القضائي ومركز شرطة نيالا وسط وأمانة الحكومة وقيادة الفرقة (16) مشاة، حيث خاطبهم قادة تجمع المهنيين عبر مكبرات الصوت حاثنهم على ضرورة الالتزام بالسلمية حتى لا يفتحوا ثغرة للأجهزة الأمنية لاستخدام القوة ضد المتظاهرين، في المقابل التزمت قوات الشرطة بالانتشار في المواقع التي حُددت لها، ولم ترصد الصحيفة أي مواجهات بينها والمتظاهرين إلا في اللحظات الأخيرة بعد الساعة الثالثة والنصف عصراً.
* المحافظة على السلمية
على عكس المظاهرات التي خرجت يومي (السبت والأحد)، فإن مظاهرات أمس (الإثنين)، استطاعت أن تحافظ على سلميتها، حتى الثالثة والنصف عصراً قبل أن تحدث مناوشات بين المحتجين وقوات الشرطة المرابطة بمركز شرطة نيالا القريب من صينينة المحكمة “موقع تجمع المواكب” فأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع بكثافة انهت به يوماً حاشداً بآلاف المتظاهرين وتفريقهم في الشوارع، لكن مراقبين رجحوا عملية تفريق المتظاهرين تمت لفتح الطريق أمام وفد مركزي ضم وزيري الداخلية والحُكم الاتحادي ومدير عام قوات الشرطة للوصول إلى أمانة الحكومة، ودخل الوفد فور وصوله في اجتماع مغلق مع حكومة الولاية.
* (المهنيين) الوالي لا يستجيب للنصح
وقال عضو تجمع المهنيين بالولاية “نور الدين بريمة”، لـ(المجهر) إن هذه المسيرات خرجت بعد أن ضاق المواطنون ذرعاً بالانفلات الأمني الذي عاد للمدينة مجدداً بعد فترة من الاستقرار، بالإضافة إلى أزمات الدقيق والوقود، وذكر أن التردي الذي عاد للولاية يعني بالنسبة لهم واحد من أمرين إما أن الوالي ضعيف إدارياً لا يستطيع أن يقود دفة الولاية أو أنه متعاطف مع النظام السابق، وأردف: (في الحالتين الوالي لا يصلح لإدارة الولاية، لذلك تطالب جماهير الولاية بإقالته). وأوضح أن قوى الحُرية والتغيير ظلت تقدم للوالي خلال الفترة الماضية النصح وتبين له مواقع الخلل، وأنهم أشاروا إليه إلى أنه لا زال الملف الاقتصادي خاصة الدقيق والوقود يدار بواسطة أجهزة النظام السابق، لكنه لا يستجيب لهذه النصائح بإصدار القرارات التي تمضي بالأوضاع إلى الأمام، وأبان أنهم أشاروا إليه، وأشار “بريمة” إلى أن جميع المواكب التزمت السلمية بفضل الجهود التوعوية التي بذلتها لجان المقاومة التي قادت هذه المواكب.
* مذكرة للسيادي والوزراء
وأعدت قوى الحُرية والتغيير بالولاية مذكرة تطالب بإقالة الوالي، قالت إنها لم تسلمها للوالي وإنما إلى المجلس السيادي ومجلس الوزراء، بالإضافة إلى قوى إعلان الحُرية والتغيير المركزية وتجمع المهنيين، بينما تعهد الوالي “خالد هاشم” في تصريحات صحفية بحماية المسيرات والمواكب، وقال إنهم وجهوا بتوزيع قوات الشرطة لحماية المواقع والمقرات الإستراتيجية المتمثلة في الوزارات والمستشفيات والبنوك ومحطات الوقود والكهرباء.
دفوعات الوالي
والي جنوب دارفور اللواء “هاشم خالد” الذي تم تكليفه بإدارة الولاية فور سقوط نظام “البشير” دافع عن موقفه بأن أزمة الدقيق تم حلها بوصول (10) آلاف جوال دقيق، بالإضافة إلى إبعاد عناصر جهاز الأمن من لجان توزيع الدقيق على المخابز، وقال إنه فور وصول كميات الدقيق تم مد المخابز بكميات إضافية بلغت (2200) جوال بدلاً عن (1800) سابقاً، ونفى أن تكون هناك أزمة وقود في الولاية، وفيما يتعلق بتأمين الموسم الزراعي والأحداث التي وقعت في الأيام الماضية، قال الوالي إنه رفع القضية إلى المركز وتم تناولها على مستوى المجلس السيادي، وذكر أن القوات الموجودة بالولاية الآن تعمل على حماية نحو (102) قرية عودة طوعية، بالإضافة إلى قوات الجيش المنتشرة في مناطق جبل مرة التي فيها جيوب لحركة “عبد الواحد” الذي قال إنه أعلن رفضه التام للحكومة القائمة، وأشار إلى حاجة الولاية إلى استجلاب قوات إضافية من المركز يتم تخصيصها لحماية الموسم الزراعي.
وفور وصول الوفد عقد لقاءً مع لجنة أمن الولاية برئاسة الوالي المكلف اللواء ركن “هاشم خالد محمود” تعرف على حقيقة الأوضاع بالولاية، ووجه وزير الداخلية الفريق “الطريفي دفع الله” بضرورة مراقبة توزيع السلع الأساسية، ومعالجة الأسباب التي أدت لخروج المواطنين للشارع، وأدان الوزير العنف ضد الطلاب، وقال إن التعبير عن الرأي بشكل سلمي مكفول للمواطنين، ووصف الأسباب التي أدت لخروج الطلاب للتعبير عن آرائهم بالموضوعية، وشدد على ضرورة المحافظة على استتباب الأمن وفرض هيبة الدولة ومعالجة التفلتات الأمنية واتخاذ الإجراءات في مواجهة المخربين، وأكد وزير الداخلية أن إيقاف الحرب وبناء السلام العادل المستدام من أولويات الحكومة الانتقالية.