وزير المالية : البرنامج الإسعافي ضرورة مرحلة لمعالجة الوضع الاقتصادي
في أول لقاء له مع الأجهزة الإعلامية
الخرطوم ـ رقية أبوشوك
عندما التقيناه بالقصر الجمهوري عقب أدائه القسم وزيراً للمالية والتخطيط الاقتصادي بحكومة رئيس الوزراء د. “عبد الله حمدوك”، أكد د.”إبراهيم البدوي” بعد أن قدم برنامج وزارته للمرحلة الانتقالية، أنه بصدد عقد مؤتمر صحفي ليعلن خلاله برنامجه الإسعافي الاقتصادي للفترة الانتقالية التي تمتد لثلاث سنوات وثلاثة أشهر.
بالأمس دعت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي للقاء تفاكري يجمع وزير المالية بأهل الشأن الاقتصادي من الأجهزة الصحفية والإعلامية، ليفي بوعده الذي قطعه عقب أداء القسم..
الساعة الحادية عشرة صباح أمس (الاثنين) كانت موعد اللقاء بين وزير المالية د.”البدوي” والأجهزة الإعلامية والصحفية، وذلك ببرج المالية الطابق الثامن، حيث امتلأت القاعة قبيل الموعد المضروب، خاصة وأن القضية الاقتصادية هي قضية الساعة، التي شغلت الرأي العام السوداني والخارجي، لكونها أحد الأسباب التي أدت إلى تأجيج الشارع السوداني، ودعته للخروج في ثورة امتدت عدة أشهر.
د. البدوي” جاء للقاعة في الموعد الذي حدده، وفور وصوله بدأ الأستاذ “غازي حسين” مدير الإعلام والعلاقات العامة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، مرحباً بالحضور لكونه أول لقاء صحفي للوزير، بعد ذلك قام وزير المالية الذي بتحية الحضور، بعد أن تعرف عليهم..
إذن ماذا قال الوزير؟
وزير المالية قال في بداية حديثه: (يسعدنا ويشرفنا أن نلتقي بكم في هذه الفرصة للحديث عن البرنامج الاقتصادي النهضوي للسودان للعدالة والحرية والسلام)، مشيراً الى أن البرنامج النهضوي يمكن أن يمتد لـ (10) سنوات قادمات حتى 2030م. وأضاف: (2030م يعتبر عاماً مهماً، وهو عام المجتمع الدولي لتحقيق مجتمع التنمية). وقال: (نستهدف عبره تحقيق شعار الثورة “حرية، سلام، وعدالة”)؛ لذا فإن من الضرورة أن يكون هذا الشعار هو أيقونة البرنامج الإسعافي النهضوي، على أن يتم صياغته للقضاء على الفقر والتهميش، وتحقيق الحرية الاقتصادية، خاصة أن الحقب الماضية كان لديها عدم المقدرة في تحقيق استدامة السلام في غياب الشرعية الاقتصادية، كما أنه لم يتم الاتفاق على برنامج بعينه، مشيراً إلى أهمية تقديم مفهوم وفكرة الشرعية الاقتصادية عن طريق تقديم الأداء في إطار الشرعية الاقتصادية. وزاد: (نحن نعول على دور الإعلام الاقتصادي)، لأنه يساهم في تشكيل الخطاب الوطني الاقتصادي لحشد طاقات المجتمع، واستشراف مستقبل اقتصادي نهضوي، في ظل أزمة اقتصادية وانهيار اقتصادي، فنحن إذن مطالبون بتبني خطاب اقتصادي واقعي لتبصير المجتمع بالمشاكل الاقتصادية الآنية.
فالبرنامج الإسعافي كما أكد الوزير هو جزء من حلقات متداخلة تهدف إلى إشعال النمو الاقتصادي … فالاقتصاد المعاق أو اقتصاد الأزمات لابد من معالجة تشوهاته، فالاستدانة مثلاً من الجهاز المصرفي تؤدي إلى السقوط للعملة الوطنية وزيادة العجز في الميزانية، فالمعالجة لابد أن تتم عن طريق إعادة الهيكلة حتى يمكن إشعال وإطلاق النمو، وذلك على شاكلة الصعود إلى الطائرة، مؤكداً استدامة النمو التي تؤدي لمعالجة الاختلالات الكبيرة في الاقتصاد. وزاد: (لذا فنحن قادمون على إطلاق النمو، بالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية المؤسسية لاستدامة النمو خلال السنوات الثلاث القادمة)، وستشهد مشاريع لتحقيق القيمة المضافة في مجال اللحوم والحبوب الزيتية، بينما ستشهد السنوات الأربع الأخيرة تحولات هيكلية عميقة تقود إلى اقتصاد يستند على المعرفة.
لماذا البرنامج الإسعافي؟
أكد “البدوي” أن البرنامج الإسعافي ضروري لمعالجة الوضع الاقتصادي، مشيراً إلى أن ملامح البرنامج الإسعافي تتمثل في استغلال الإمكانيات المتاحة. وقال إنه يمتد إلى (3) سنوات في ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى والبالغة (9) أشهر تبدأ من أكتوبر إلى يونيو (2020)، حيث تهدف هذه المرحلة إلى إطلاق المبادرات عن طريق فرق العمل التي تبدأ في تشخيص المشاكل وتحليل أسبابها، ومن ثم تقديم مقترحات للحلول، وتنفيذها خلال الـ (9) أشهر. وقال إن المحور الأول في هذه المرحلة يتضمن معالجة غلاء الأسعار وغلاء المعيشة ومعالجة أزمة المواصلات ومعالجة النفايات ومعالجة مشاكل السيول والأمطار عن طريق إقامة منظومة سدود صغيرة حول المدن وحصاد مياه ومعالجة الأزمة الكهربائية، بالإضافة إلى رقابة الأسواق في الخبز والمشتقات البترولية، عن طريق الرقابة الشعبية مع السلطات الأخرى، على أن تدعم من قبل وزارة المالية، بالإضافة إلى تنشيط العمل التعاوني حتى يحدث التوازن، مؤكداً أن هذه الأشياء من شأنها أن تؤدي إلى خلق وظائف.
وقال إن الحل الجذري للمشكلة الاقتصادية هو تثبيت الاقتصاد الكلي وإعادة هيكلة الموازنة ورفع الجهد المالي.. وقال إن رفع الجهد المالي يعتبر مهماً لأنه يعكس قدرة الدولة على تقديم السلع والخدمات. وقال إن الايرادات للناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا تتراوح ما بين (12% ــ 20%) ولكن للأسف الشديد فإن الجهد المالي في السودان (6%) فقط في دولة ضعفت فيها ولاية المالية على المال العام ــ في إشارة منه إلى الاعفاءات. وقال إن الإعفاءات أصبحت هي الأصل والضرائب هي الاستثناء، مؤكداً أنه تم تشكيل فريق عمل عالي المستوى سيقوم بمراجعة كل الإعفاءات، بالإضافة إلى التجنيب، ومن ثم تقديم توصيات واضحة جداً في هذا الجانب لإصدار قرارات، ومن ثم رفعها للمجلس التشريعي. وقال إن رفع الجهد المالي لا يعني فرض ضرائب جديدة، ولكنه يعني توسيع المظلة الضريبية، خاصة نحن مدركون لخطورة رفع الرسم الضريبي، وقال إنه سيتم إلغاء الضرائب على المنتجين ولا نسعى لزيادة الرسم الضريبي، أيضاً لابد من ترشيد الصرف. وقال: (سنراجع كل بنود الصرف، بالإضافة إلى ضرورة إدارة السيولة ونظام الخزينة الواحدة، وسنشكل هنا فريق عمل لدراسة هذا الأمر). وأضاف: (في كل الأحوال دائماً وزارة المالية هي التي تكون مسئولة عن إدارة هذه السيولة، فلابد من إخضاعها للمعايير وفقاً لوزارة المالية، فإدارة السيولة تمكن المالية من الاستفادة من الأموال، مشيراً إلى الضوابط التي ستلتزم بها وزارة المالية في ما يختص بكل الأشياء وبحساب سعر الصرف الواقعي).
وقال: (لابد من ضرورة الاهتمام بالموازنة نفسها وإعطاء التقدير المؤسسي للموازنة، فبعد إجازتها يجب الالتزام بها مع أهمية نظام الخزينة الموحد، ونحن بصدد تطويرهذا البرنامج الذي يساعد في إدارة السيولة).
الدعم .. الدعم:
لابد أن نتحدث عن الدعم لأنه مطلوب، فالشعب السوداني عانى فلابد من دعمه، كما أننا سنحوله إلى دعم ذكي، إلا أن الدعم في هذه المرحلة سيستمر، ونحن ملتزمون به لأنه ضرورة مرحلة، فعند ما نكون جاهزين من ناحية الإصلاح سننتقل من دعم سلعي إلى دعم مباشر للمواطن. وقال: (إننا لن نتخلى عنه إلا بعد أن نحقق كل ما نريده، كما أنه غير مستدام وحينها سيكون الدعم انتقل من الدعم السلعي إلى دعم المواطن مباشرة، إن أي مواطن سيتلقى الدعم مع متابعة نقل المحروقات حتى تصل إلى طلمبات الخدمة ومتابعة صرفها، بالإضافة إلى متابعة نقل الدقيق عن طريق الرقابة الشعبية وبواسطة الشباب). وقال: (إن دعم المحروقات يشكل (8%) من الناتج المحلي، بينما تبلغ ميزانية التعليم والصحة أقل من (5%)؛ الأمر الذي يؤكد أننا مجتمع مستهلك ولا نعبأ بمستقبل الأجيال القادمة). وقال إن الدعم النقدي المباشر للمواطن سيصل إلى (300) جنيه للفرد الواحد من كل أفراد الأسرة مؤكداً أن هذا يعتبر نقلة في محاربة الفقر، كما أن أي شخص لم يتجاوز الـ (18) من عمره ستستقبل دعمه والدته. وقال إن الموازنة القادمة ستشهد مضاعفة ميزانية التعليم والصحة والمياه والتنمية.
وقال الوزير: (نحن نسعى إلى تقليل الاستدانة من الجهاز المصرفي، ورفع الجهد المالي إلى (20%) والذي يمكن تحقيقه بعد قفل أسباب التسرب، مع سعينا إلى تكوين احتياطي من النقد الأجنبي لبنك السودان من قيمة الواردات، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي). وقال إن المحور الثالث هو معالجة البطالة، مشيراً إلى أن بنك التنمية الأفريقي قدم (20) مليون دولار لتدريب الشباب للولوج إلى الزراعة الحديثة. وقال إن هنالك ثلاثة مشاريع من شأنها أن توفر فرص عمل للشباب كالتعداد السكاني والزراعي والحيواني. وقال إن التعداد سيوفر (30) ألف وظيفة للشباب، مشيراً إلى أن المرجلة القادمة ستشهد التحول من العون الإنساني إلى التنمية المستدامة وإعادة توطين النازحين، بالإضافة إلى بناء القدرات والإصلاح المؤسسي. وقال إن السودان واجه تركة ثقيلة عن طريق العقوبات المفروضة عليه. وقال إن إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب قد يمتد إلى (9) أشهر أو عام، لأن الملف داخل (الكونجرس) الأمريكي. وقال إن التحدي الأكبر هو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الذي بدوره سيسهم في رفع العقوبات عن السودان.
وقال إن متأخرات السودان على المؤسسات المالية المتمثلة في “البنك الدولي، وصندوق النقد الاجنبي، وبنك التنمية الأفريقي” بلغت (2,65) مليار دولار، ولكن حال إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فلا توجد مشكلة في معالجة هذه المتأخرات، كما أن حجم الديون الخارجية والبالغة (56) مليار دولار، ربما تكون ارتفعت الآن، إلا أن الهاجس الأكبر هو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وأشار في الوقت نفسه إلى تقدم العمل في ملف حقوق الإنسان.
فريق عمل لإعادة المال المنهوب:
وزير المالية د.”البدوي” كشف في اللقاء عن تشكيل فريق عمل لإعادة المال المنهوب بالخارج. وقال إن المال المنهوب بالداخل مقدور عليه، إلا أن المنهوب خارجياً سيتم إعادته خاصة أن هنالك وعوداً من مكتب مشترك بين الأمم المتحدة وبعض المنظمات للمساعدة في إمكانية إعادة المال المنهوب، مشيراً إلى المبادرة التي أطلقها السودانيون بدول المهجر لإنشاء صندوق وديعة، مشيراً إلى الإصلاح المؤسسي ومراجعة الأجور الذي سيتم في النصف الثاني من 2020م.
وتحدث الوزير مؤكداً أن الأيام المقبلة ستشهد مراجعة لكل الشركات، وقال: (سندير حواراً مسئولاً هدفه الوصول إلى توافق لضرورة الالتزام وإعادة حصيلة الصادرات)، مشيراً إلى أن كل الصرف سيكون في إطار الميزانية، مشيراً إلى أن المرحلة القادمة ستشهد إعادة مشروع الجزيرة إلى سيرته، مشيراً إلى الدمار الذي لحق به في بنياته من مصانع ومحالج وسكك حديد.
وفي رده على سؤال تقدمت به (المجهر) عن معالجة المشاكل الآنية المتمثلة في أزمة الوقود بالإضافة الى مراجعة وتقييم الموازنة الحالية، أكد الوزير أنهم بصدد مراجعة الموازنة وتقييمها، مشيراً إلى أن مشكلة المواد البترولية تتمثل في التنظيم والتوزيع والتخزين. وقال إن التخزين من أكبر المشاكل، فالطاقة التخزينية لم تكن كافية، مشيراً إلى المنحة السعودية الإماراتية التي مازال هنالك مُتبقٍّ منها. وقال إن وزارته عقدت لقاءً مع سفيري الدولتين بالخرطوم، وسيتم تقديم جدول بما تبقى؛ وذلك حتى نستفيد من المنحة الكريمة لتوفير الاحتياجات الضرورية.