مضت تسع سنوات على انفصال جنوب السودان، آثاره لا تزال باقية ، تشهد عليها قضية المهجرين الشماليين ،الذين تركوا كل أملاكهم، وعادوا إلى البلاد، لا يملكون شروى نقير. ولم تجد قضيتهم أذناً صاغية ، فتفرقوا أيدي سبأ ، داخل أرض الوطن، منهم من تشرد ،وقلة منهم رحب بهم أهلها، وفتحوا لهم منازلهم .
يذهب العائدون من الجنوب إلى أن النظام السابق تسبب في ضياع حقوقهم ، لم يهتم بهم حينما أجرى الاستفتاء ، ولم يتم توفيق أوضاعهم ،أسوة بالمواطنين الجنوبيين الذين تم نقلهم عبر البر والنيل والجو إلى مناطقهم ،اليوم وبعد ذهاب النظام ، وتنسم البلاد نفحات فجر الحرية ،ظهر العائدون إلى السطح مرة أخرى ،للتذكير بقضيتهم ، وأنها لن تموت طالما ظلت معاناتهم قائمة .
وكشفت لجنة المهجرين من دولة جنوب السودان أن إجمالي أملاكهم التي تركوها بالجنوب تبلغ (92) مليون جنيه ، وأن النظام السابق لم يعمل على معالجة قضية ممتلكاتهم ، بالرغم من إصدار الرئيس السابق “عمر البشير” قراراً بذلك .
ويعيش المهجرون من دولة الجنوب عقب الانفصال أوضاعاً مأساوية صعبة تتمثل في فقدهم لكل أملاكهم ، وفقدان مصادر رزقهم ، والمعاناة من العطالة ، وعدم توفر فرص التعليم لأبنائهم خاصة في الولايات الحدودية وكان الرئيس السابق “عمر البشير” شكل لجنة لمعالجة قضايا العائدين، إلا أن قرار “البشير” لم ينفذ، ويقدر حجم الضرر الذي وقع عليهم عقب إخراجهم من منازلهم ومزارعهم ومتاجرهم عنوة عقب الانفصال، بـ(92) مليون جنيه ،وظل آلاف المواطنين العائدين عقب الانفصال يسكنون في مناطق مهمشة ودون خدمات بولاية النيل الأبيض والخرطوم وبعضهم على الحدود ووضعهم الإنساني سيء،ويقول رئيس اللجنة في مؤتمر صحفي نظمته أمانة المتضررين من الحرب واللجوء بالحزب الأهلي “مدني أمين مدني” إن هنالك (6) آلاف شخص فقدوا وظائفهم، التي كانوا يشغلونها بالجنوب وتم استيعاب (180) فقط في الخدمة .
وقال رئيس اللجنة إن عدد المتضررين من الانفصال في كافة الولايات الجنوبية الـ(10) ،يبلغ حوالي (3) ملايين مواطن تشردوا في ولايات التماس بالشمال ،وقال إنه بينما خرج الجنوبيون من الشمال بحفلات الوداع كنا نواجه الذل والتشريد واستولي الجنوبيون على كل أملاكنا من بينها سيارات وعدد (300) طلمبة و(1000) ماعون نهري، وكشف أن عدد المشاريع التي صودرت منهم بالجنوب (3) آلاف مشروع ولم نعوض سوى ب(40) مشروعاً فقط في النيل الأزرق ، وقال إن هنالك (700) ملف بطرف لجنة حقوق الإنسان بوزارة العدل لم يتم النظر فيها .
وقال إن هنالك هجرة عكسية بدأت هذه الأيام حيث وصلت في الفترة الأخيرة (1500) أسرة جديدة إلى منطقة قيزان دون أن تراعي الحكومة السودانية هذه الشريحة، مطالباً رئيس الوزراء بالنظر في قضيتهم وتشكيل مفوضية متخصصة للنظر في حلها.
وأشار إلى أن هنالك (12) ألف مزارع فقدوا مشاريعهم الزراعية وتحولوا إلى عطالة في النيل الأبيض وامتهنت أسرهم بيع الشاي والعمل في المنازل .
تحدث رئيس اللجنة بحسرة وأسف شديد لما تعرضوا له ، مبيناً أنهم ذاقوا الهوان والذل .
قضية المهجرين من الجنوب لم تجد أي اهتمام من قبل الإعلام في عهد النظام السابق، وعزا المتضررون إلى أن هنالك من مارس كبتاً على القضية، مشيرين إلى أنهم نفذوا وقفات احتجاجية متكررة ولم تلتفت إليهم الحكومة السابقة إلا في 2013م بتشكيل لجنة من قبل رئاسة الجمهورية ولم تنظر اللجنة في الأمر إلا في 2014م .
وقالت اللجنة ، إن المعاشيين من العائدين يبلغ عددهم (318) توفى منهم (36) .
وفي ظل العهد الجديد يتطلع العائدون من الجنوب بأن تجد قضيتهم اهتماماً وحلاً كاملاً، مطالبين وزيرة العمل بمراجعة التجاوزات خاصة في ديوان شئون الخدمة والتحقيق مع المشرف على ملف العائدين بالوزارة .
وتحدث عدد من المتضررين من الانفصال بأنهم يعيشون في منازل مؤجرة وغير قادرين على إلحاق أبنائهم بالمدارس، وأن آخرين لجأوا إلى إدخال أبنائهم المدارس بالتناوب كل سنة يدرس أحد الأبناء.
ويقول “وليد يوسف” مسؤول الشئون الاجتماعية بلجنة المهجرين من الجنوب، إن دولة الجنوب صادرت كل أملاكهم من منازل وسيارات وغيرها من المنقولات، وإن عدد المهجرين الذين تم استيعابهم في الخدمة لا يتجاوز الـ(10%) فقط بالشمال ، مشيراً إلى أنهم ما زالوا يواجهون مشكلة في استخراج الرقم الوطني.
وطالبت رئيسة قطاع المرأة باللجنة “روضة عبد الرحمن” بضرورة إنشاء مفوضية خاصة بالعائدين والمهجرين للنظر في القضية .
وتعهد رئيس اللجنة التمهيدية بالحزب الأهلي الناظر “يوسف أبوروف” بالعمل على استرداد حقوقهم، مشيراً إلى أن في الجنوب يوجد مابين (130ـ 150) ألف سوداني بدون مأوى، مشدداً على ضرورة تشكيل مفوضية تعالج قضية العائدين .