ورحل “فضل حسن تور الدبة” .. رجل بقامة وطن
رحل عن دنيانا الفانية في منتصف الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، المرحوم الحاج “فضل حسن تور الدبة”.. رجل البر والإحسان والعقلية الاقتصادية الكبيرة والقطب الاتحادي الأبرز على مستوى وسط السودان.
كان المرحوم علماً على رأسه نار، ليس على مستوى ولاية سنار، بل على مستوى السودان قاطبة.. كان رجلاً بقامة وطن.. كان رجلاً سخياً شجاعاً جواداً بكرم حاتمي.. كان رجل مجتمع سنار الأول بلا منازع.. وكان سياسياً نبيلاً تجتمع حوله كل الأحزاب، كان يعمل للوطن دون تعصب.. وأصبح فقده الآن خسارة كبيرة للوطن الكبير وليس لسنار فقط.
بدأ المرحوم أعماله التجارية والزراعية بعصامية نادرة.. حيث أنشأ أول أعماله في مدينة الحداد بولاية الجزيرة.. ثم انتقل منها لمدينة سنار.. وأسس مع عمه “علي تور الدبة” مشروع البرسي الزراعي في بداية الستينيات كأحد مشروعات ما يُعرف في ذلك الوقت بمشروعات (أصحاب الرخص).. مشروعاً زراعياً مروياً لزراعة القطن.. كان الوحيد في المنطقة من الذين بادروا بإقامة هذه المشروعات التي لم يكن يرتادها وقتذاك إلا دائرة “المهدي” ودائرة “الميرغني” ورجال أعمال قلة قادمة من الخرطوم، أمثال “أبو العلا”، إذ كان نوعاً جديداً من الاستثمار ولكن اقتحمه المرحوم ونجح فيه وهذا ديدنه المبادرة والنجاح والسبق في الجديد من الاستثمار.
وكانت نقطة انطلاقة المرحوم “فضل” في المجال التجاري.. ومن بعدها توسع في مجال الزراعة الآلية في ولاية النيل الأزرق، وأنشأ مشروع الوفاء الزراعي في مساحة مقدرة لإنتاج الذرة والسمسم.. وبعد ذلك توسع في مجال زراعة الموز الذي اشتهرت به ولاية سنار.. وكان من المبادرين في التوسع في هذه المجال، مما جذب كثيراً من المستثمرين من خارج الولاية.. بل وبفضل نجاحات “فضل” وتطويره لإنتاج الموز وإدخال الكهرباء بمناطق إنتاج الموز، قدم كثير من رجال الأعمال العرب الناشطين في مجال صادرات الموز، مما جعل سنار الآن قبلة في هذا المجال.. ولذلك يحفظ للمرحوم “فضل” دوره في تحديث إنتاج سلعة الموز وتطوير وسائل إنتاجه مما جعل المزارعين يتوسعون في إنتاج وإدخال الشتول الحديثة وهجران الطرق التقليدية في الإنتاج.
كان رجل أعمال متنوع المناشط من تجارة الحبوب والصمغ العربي.. استطاع إنشاء العديد من المخازن الحديثة بعدة مدن ليست سنار فحسب، بل في عدة مناطق إنتاج وتخزين الحبوب في الدمازين وربك وبورتسودان والخرطوم.. ومن خلال تنويع أعماله التجارية، أسس المرحوم مصنع نسيج سنار شراكة مع بعض رجال الأعمال من مختلف بقاع السودان، بل كان يؤمن دائماً بمبدأ المشاركة وارتياد مجالات الاستثمار الناجحة والجديدة.
ومن مبادراته غير المسبوقة إنشاؤه لمطاحن ضخمة بمدينة سنار.. وتعتبر من أحدث المطاحن، بل هي الوحيدة بوسط السودان بعد مطاحن مدني، إذ لا توجد مطحنة بولاية سنار أو النيل الأزرق وهي الآن تغطي أيضاً أجزاء من احتياجات ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض.
وقد امتدت نشاطات المرحوم “فضل” إلى إنشاء محلج كبير تحت التشييد الآن، ذلك بعد أن اكتشف المرحوم بحسه التجاري التوسع الكبير في زراعة القطن وعدم وجود أي محالج في مناطق الإنتاج، بل ذهب أبعد من ذلك، اقتحم مجال الزراعة التعاقدية مع المزارعين في مشاريع مؤسسة النيل الأزرق الزراعية السابقة، التي تمتد مشاريعها من جنوب سنجة، إلى أقصى شمال سنار.. هذا المجال التعاقدي (الجديد) الذي لم يرتاده إلا قلة من المستثمرين.. ولكن يظل المرحوم “فضل” من رواده الأوائل.
كان المرحوم “فضل” إضافة لنجاحه التجاري وتعدد أعماله، رجل مجتمع ولاية سنار الأول.. كان مهموماً بأمور الناس، وكان عوناً للفقراء والمحتاجين يقدم بسخاء وبلا منٍ ولا أذى.
قدم الكثير لمدينة سنار من إنشاء مراكز صحية ومدارس ومساجد ومحطات مياه لأهله في شرق سنار.. ولكل المنطقة.. كان عوناً وسنداً لكل من يقصده، لم يرد سائلاً ولم يخذل ضيفاً ولم يقهر فقيراً وكان منزله ومكتبه قبلة للسائلين الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم.
لقد كان المرحوم ركناً مهماً من أركان السجادة الختمية.. وكان سياسياً بارعاً ونبيلاً.. بل فيما أرى أنه السياسي الوحيد خارج الخرطوم.. الذي يمتلك التأثير السياسي على المستوى القومي في حزبه، بل في الأحزاب الأخرى قاطبة.
كان سنداً ونعمة على سنار، عوضها الله فيه خيراً وعوض السودان.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
د.بابكر محمد توم