رُفعت أقلام المزايدات .. !
تُدهشني وتزعجني في ذات الوقت ، طريقة المزايدات التي دأب عليها أعضاء المجلس العسكري الانتقالي الذين أصبحوا المكون العسكري في مجلس السيادة ، عند الحديث بمناسبة وبدون مناسبة عن ملاحقة ومتابعة قيادات وعضوية حزب المؤتمر الوطني الذي كان حاكماً.
وتشمل هذه المزايدات الاستمرار في اعتقال عدد من رموز النظام السابق دون أي مسوغ قانوني ، أو اتهامات واضحة موجهة من النيابة المختصة ضد المعتقلين ، علماً بأن قرار حبسهم لم يصدر أصلاً من نيابات .
ومما يدعو للضحك والرثاء أيضاً ، قول ساذج أطلقه أحد وكلاء الوزارات قبل أيام وفيه يُبرِّر لاعتقال الطبيبين الدكتورين “مأمون حميدة” و”كمال عبدالقادر” ، بأن ذلك الإجراء المخالف للقانون ، يأتي (للحفاظ على سلامتهما) !! يا سبحان الله .
متى كانت السلامة تتوفر في الحبس بالسجون الرديئة ، بينما يعلم رعاة الضأن في بوادي كردفان أن أغلب الذين تعرضوا لاعتقالات طويلة خرجوا منها بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة !
ثم هل يعجز الدكتوران “مأمون حميدة” و”كمال عبدالقادر” من حماية نفسيهما بالسفر إلى بلد آمن عاشا فيها عمراً طويلاً هو بريطانيا ، حيث حكومة الصحافي اليميني المتطرف “بوريس جونسون” أقدر على حمايتهما ، ما دامت حكومة السودان الحُر الديمقراطي عاجزة عن ذلك ؟!
لقد ظل جنرالات مجلس السيادة في غلوهم تجاه الإسلاميين دون فائدة تُرجى لهم ، إذ لا يمر أسبوع منذ انقلاب (11) أبريل الذي أعقب ثورة ديسمبر ، حتى يطلق الفريق أول “البرهان” أو الفريق أول “حميدتي” تصريحاً موغلاً في العداء لرموز النظام السابق ، بل للرئيس “البشير” الذي لولاه – شخصياً – لما بلغ الرجلان رتبة (فريق) ، فقد وفر لهما الدعم والحماية حتى بلغ الأول مقام المفتش العام للقوات المسلحة ، وأصبح الثاني قائداً لجيش ظهير للقوات المسلحة بإمكانيات كبيرة وتجهيزات عالية ، يحمل اسم قوات الدعم السريع .
أمس صرح الفريق “حميدتي” لقناة (الحرة) الأمريكية بأن (المؤتمر الوطني لن يكون له دور خلال الفترة الانتقالية) !! هل يقصد سيادته بعبارة (دور) مشاركة في الحكم أم ماذا يعني ؟!
بالقانون .. والوثيقة الدستورية سيكون له دور يا سيادة الفريق ، إذ يحق له كحزب مسجل وفق قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية أن يمارس نشاطه مثله مثل الحزب الشيوعي السوداني، وحزب الأمة القومي ، وحزب المؤتمر السوداني ، ومن حقه أن يفتح دوره ويعقد مؤتمراته وينتخب قياداته ، ولا سلطة لمجلس السيادة أو مجلس الوزراء عليه .
ولو أننا قارنا بين السلوك السياسي والإعلامي لأعضاء مجلس السيادة بصفة عامة (عسكريين ومدنيين) وسلوك رئيس الوزراء الدكتور “عبدالله حمدوك” ، سنجد فرقاً شاسعاً ، فرئيس الوزراء غير مهتم بالمزايدات والتصفيات والعمليات الانتقامية ، ولا يحتاج لمثل هذه التصريحات العدائية ليشحن رصيده الثوري ، مع أن محفوظات من شاكلة :(كيزان .. وثورة مضادة .. وخلايا نايمة .. وكتائب ظل) ما عادت تجد رواجاً في الأوساط الشعبية ، فالشعب الصابر انتبه ، وبدأ في تجاوز هذا المربع ، ويريد الانتقال لمربع التغيير الذي يُرى بالعين ويُعاش واقعاً معيشياً وتنموياً وخدمياً .
سادتي .. المكون العسكري بمجلس السيادة ، لقد قاتلنا عنكم ، وذدنا عن حياضكم في أتون حرب شعواء استهدفتكم في ذواتكم .. وذات الجيش العظيم خمسة أشهر طويلة ، لا نرجو منكم جزاءً ولا شكورا ، حتى بلغتم مرحلة القِسمة في مجلس السيادة ونلتم رئاسته التي نازعوكم فيها بكل جرأةٍ ولؤم ، فأهدأوا .. وتأملوا .. وتمعنوا ، فلن تنالوا كسباً عند الشارع بعد اليوم أكثر مما نلتم ، ولو جئتم بكل المعتقلين ودُستم على رؤوسهم في مكاتبكم بالقصر الجمهوري وأنتم تصرخون ، كما كان يصرخ الناشط “ذو النون” في بدايات الثورة : ( كل كوز ندوسو دوس) . ذهب “ذو النون” وعشرات غيره من نجوم (لايفات) المهاجر إلى مزبلة الثورة ، وبقيت الفكرة ، فاللايف لا يصنعُ خُبزاً .. ولا يضخُ بنزيناً .. ولا يوِّلد كهرباء !!
رُفعت أقلام المزايدات وجفت الصحف .