بروف “غندور” .. العبور فوق الألغام !!
في أول ظهور له كرئيس مُكلف لحزب المؤتمر الوطني ، قدم البروفيسور “إبراهيم غندور” مساء أمس محاضرة سياسية رصينة المحتوى ، راقية المضامين ، وذلك على شاشة قناة (الحُرة) التي نالت قصب السبق بين جميع القنوات العربية (المُوجهة) غير المهنية ومحدودة الأفق، وقد أطربني هذا الرجل أيما طرب ، وهو يُعبِّر عن عظمة هذا الشعب الذي أنجب هذا السياسي الرفيع الذي بقدر ما حاول (ديسك) القناة محاصرته وتفخيخ الأسئلة له ، إلاّ أنه أفلح بحنكته ودبلوماسيته المشهودة والمعلومة للجميع أن يقفز فوق كل المطبات ، ويُفكِّك جميع الألغام المنصوبة في ثنايا هذه المقابلة، لدرجة أن المذيع لم يملك سوى أن يختم حواره بجملة : (أشكرك على سعة صدرك) !! ويا له من صدر ، صدر وزير الخارجية الأسبق الناجح الوحيد في امتحان رفع العقوبات الأمريكية عن السودان غير المنصوص عليها في لائحة الإرهاب ، مدير جامعة الخرطوم الأسبق ، ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الأسبق ، ومَنْ غيره جمع بين إدارة جامعة الخرطوم ورئاسة حزب كبير وقيادة الدبلوماسية السودانية ؟!
تحدث “غندور” فأكد على حق حزبه في العمل السياسي ضمن منظومة أحزاب الفترة الانتقالية وذلك بموجب القوانين والوثيقة الدستورية ، مؤكداً أن حزبه لم يسع للمشاركة في الحكومة الانتقالية ، وأنهم عاكفون على دراسة أخطاء المرحلة الماضية ، وأقر بها طالما أنه حزب حكم ثلاثين عاماً .
شدد على محاسبة المتورطين في عمليات قتل المتظاهرين والمحتجين ، ومحاكمة الفاسدين بين عضوية المؤتمر الوطني ، وقال إن الحزب لن يحمي فاسداً .
غير أن أهم ما قاله “غندور” في نظري ، هو إعلانه دعم حكومة “حمدوك” ، وأنهم لن يعملوا على تعويقها ، وأن أي مواطن سوداني يعمل على الإضرار بها إنما يضر بنفسه ، وهذا منتهى الحكمة والوطنية والعقلانية .
يضرب بروف “غندور” بهذا الإعلان السياسي عالي القيمة مثلاً للعالم أجمع لمعارضة سودانية جديدة ومُختلفة ، تفرِّق بين الوطن والحكومة ، لا كما كانت معارضات التخريب الشامل لكل شيء ، بما في ذلك الفخار بالمشاركة في فرض العقوبات الأممية والأمريكية على شعب السودان !!
لقد كان ظهوراً مُشرِّفاً لرئيس حزب مُحاصر أزيح من السلطة ، قياداته في السجون ، ورئيسه السابق في المحكمة ، وقواعده مُحبطة ومُبعثرة ، وفي رأيي لم يكن بمقدور أي قيادي في حزب المؤتمر الوطني – وأنا أعرفهم جميعاً – أن يعبر مأزق الأمس كما عبره “غندور” بامتياز .