.. عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى المدينة ظل أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستأذنه في الهجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يمهله ويقول له: «لا تعجل، لعل الله يجعل لك صاحبًا»، وذلك حتى نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن قريشًا قد خططت لقتله، وأمره ألا يبيت ليلته بمكة وأن يخرج منها مهاجرًا، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وفتيان قريش وفرسانها محيطون ببيته ينتظرون خروجه ليقتلوه، ولكن الله تعالى أخذ أبصارهم فلم يروه حين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من التراب فنثرها على رؤوسهم وهم لا يشعرون به، ثم ذهب صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان نائمًا فأيقظه، وأخبره أن الله قد أذن له في الهجرة. تقول عائشة: (لقد رأيت أبا بكر عندها يبكي من الفرح)، ثم خرجا فاختفيا في غار ثور، واجتهد المشركون في طلبهما حتى شارفوا الغار حينها قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : ( يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم عبارته الخالدة : « ياأبابكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!» (صحيح البخاري:[4663]).
وفي هذا الغار أقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبابكر رضي الله عنه ثلاثة أيام ثم انطلقا، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعرف بالطريق، وقد كان الناس يلقونهما فيسألون أبا بكر عن رفيقه فيقول: (إنه رجل يهديني الطريق)، وبينما هما في طريقهما إذ أدركهما سراقة بن مالك، وكان قد طمع في النياق المائة التي رصدتها قريش لمن يأتيها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولما اقترب سراقة رآه أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا، ودنا سراقة حتى ما كان بينه وبينهما إلا مقدار رمح أو رمحين، فكرر أبو بكر رضي الله عنه قوله على النبي صلى الله عليه وسلم وبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لِمَ تبْكِ؟» قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : (أما واللهِ ما على نفسِي أبكي ولكنْ أبكِي عليكَ) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهُمَّ أكفِنَاهُ بما شئتَ» (مسند أحمد:[1/22]، صححه أحمد شاكر). فساخت قوائم الفرس ووقع سراقة وقال: (يا محمد، إن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمّينَّ على مَن ورائي). فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبه، ودعاه إلى الإسلام ووعده إن أسلم بسواري كسرى. ثم استمرا في طريقهما حتى بلغا المدينة حيث استقبل الصحابة مهاجرون وأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه بسرورٍ وفرحٍ عظيمين، وانطلق الغلمان والجواري ينشدون الأنشودة الشهيرة:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع