أمراض نفسية وسوء تغذية أبرز الانعكاسات
مواطنون : السوق يحتاج لرقابة مشددة
اقتصادي : تفاقم الوضع بعد سقوط نظام الإنقاذ
تحقيق: رباب الأمين
في صبيحة يوم (الأحد) بعد أن أنهت الحاجة “أمنة” مشاغلها المنزلية ونظافتها حملت كيساً أزرق وتوجهت إلى السوق المجاور لمنزلها لإحضار مستلزمات وجبة الإفطار والغداء، فحالها مثل حال النساء الأخريات اللواتي يلبسن الثوب ويتجولن في صفوف الخبز وترتفع أصواتهن مع بائع الخضروات يطلبن منه التخفيض ويستفسرن عن سبب ارتفاع الأسعار.. بعضهن يعدن إلى المنازل خاويات الوفاض وأخريات يحاولن بما لديهن من مال قليل أن يحصلن على ما يسد الرمق و”يستر الحال” فارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية أصبح لا يطاق لدرجة أنه أثر سلباً على الحالة النفسية والاجتماعية داخل البيوت السودانية.
اختفاء مكونات
الحاجة ” أمنة” بطبيعة الحال واحدة من ضمن الشرائح السابقة التي تفاجأت بغلاء سعر الخضروات وخصوصاً الطماطم الذي قفز سعره من (50 ـ 100) جنيه للكيلو مع دخول موسم عيد الأضحى إلى (100) .. ذكرت في حديثها لـ(المجهر) بأنها تفادت الذهاب إلى السوق واكتفت بزرع حبات الفاصوليا والجرجير والبامية في المنزل منذ مطلع العام الجاري لعل وعسى أن تجد يوماً ما يسد رمق أطفالها ، بلاء شك تخلت بعض الأسر عن مكونات رئيسية في الوجبات مثل (البصل واللحوم) وأصبح الجود للضيوف بالموجود باعتبار أن ارتفاع الأسعار اختصر الوجبات الرئيسية نفسها وقللها من (3) وجبات رئيسية إلى اثنتين فقط تشمل إفطاراً يتأخر حتى منتصف النهار ووجبة أخرى يمكن تسميتها غداء متأخر أو عشاء مبكر فالوضع الاقتصادي أصبح لا يتحمل أن يوفر رب الأسرة وجبات ثلاث كاملة.
بدائل مؤقتة
يقول مواطنون إن الوضع الاقتصادي أثر على تماسك المجتمع ابتداءً من داخل الأسرة إذ أن الوضع يتطلب أن يخرج أكثر من شخص للعمل في محاولة لتوفير أقل المتطلبات وعادة ما تكون غالبية تلك الأعمال هامشية وتتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً فضلاً عن طول فترة العمل فيها لدرجة أن الأسر أصبحت لا تتلاقى إلا لماماً، وهنا تقول طالبة جامعة النيلين ” سلمى آدم” إنها أصبحت لا تجتمع مع أسرتها إلا يوم (الجمعة) لأن ظروف المعيشة جعلت أفراد الأسرة في حالة بحث مستمر عن مصادر رزقهم وتوفير (قفة الملاح) ، وقالت “أنا طالبة أصبحت أفضل حمل السندوتشات من المنزل لأنها سريعة وغير مكلفة للأسرة وعادة ما نختصر وجبة الغداء في أبسط مكوناتها مع التركيز على البطاطس أو السلطة .
في ذات السياق ذكرت الحاجة “مرضية” في حديثها لـ(المجهر) بأنها تشترى الخضروات من السوق لكنها تتفاجأ يومياً بارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، مشيرة إلى أن أزمة الخبز جعلتها تستخدم البدائل (الكسرة _القراصة) وأردفت قائلة (أزمة الخبز أوجدنا لها بديلاً لكن من يساعدنا على إيجاد بدائل للسلع في هذا الوضع الصعب).
حالة اكتفاء
مضت المواطنة “مريم” في القول بأنها استغنت عن الصلصة واللحوم في الملاحات واكتفت بالثوم والملح، أما الخضروات فقد وضعت لها جدولاً أسبوعياً تشترى بموجبه من داخل السوق المركزي بأم درمان في محاولة لتقليل أسعار الخضروات ، ويقول “علي” وهو شاب في مقتبل العمر يعمل في سوق أم درمان حكي قصة كفاحه لـ(المجهر) بأنه أكبر أشقائه ويعمل في الإجازات الأكاديمية في هذه الفترة يعول أخوته الصغار ويدخر من المال ما يكفيه لعام كامل وإذا انقطع مادياً يواصل في يومي (الجمعة والسبت)، وأوضح استياءه من الوضع الاقتصادي في هذا العام وخصوصاً أنه استبشر خيراً بسقوط النظام السابق لكن مع الأسف السوق أصبح (نائم زيادة) ، ربما ذهب عدد من المواطنين إلى أن الأوضاع الاقتصادية تسببت فيها الحكومة نفسها بعدم رقابة الأسواق ، مشيرين إلى أن الأمر لا ينسحب على أسواق الخضر فقط لكن عدم الرقابة في كل المناحي أثر اقتصادياً على الأسر، ويقول المواطن “عبدالمنعم طه” لـ(المجهر) بأن الأسواق تعاني من عدم رقابة والكل يزيد الأسعار على هواه ولا يراعون للمواطن (الغلبان)، مشيراً إلى أن سعر السكر جوال السكر ارتفع من (1000) جنيه إلى (2000) جنيه خلال موسم واحد فيما ذهب “أحمد محمد” إلى أن عدم الرقابة على الأسواق جعل التجار يطمئنون إلى عدم المساءلة فأصبحوا يسعرون السلع على مزاجهم.
جولة طويلة
ارتفاع الأسعار وعدم مقدرة المواطن على مجاراتها كشفته جولة نفذتها (المجهر) داخل الأسواق خرجت منها بأن سعر كيلو اللحمة (العجلي) وصل إلى (260) فيما وصل سعر كيلو اللحمة الضأن إلى (420) جنيها وارتفع سعر كيلو الفراخ إلى (155) جنيها ، وقال التاجر “محمد حسين” إن المواطنين أصبحوا لا يشترون اللحمة ، بل يعتمدون على الخضروات حيث وصل سعر البطاطس (50) جنيها، وكيلو الباذنجان الأسود ( 50) جنيهاً فيما بلغ سعر كيلو الطماطم (100) وكيلو البامية (80) جنيهاً، مبيناً أن الزبون يمكن أن يتحصل على السلطة متكاملة نظير دفعه مبلغ (50) جنيهاً ، وطال الارتفاع مستلزمات البقالة ، إذ يشير التاجر “منصور أحمد” إلى أن سعر كيلو العدس بلغ (70)جنيهاً ، وبلغ سعر عبوة المكرونة زنة (500) جرام إلى (50) جنيهاً.
تفاقم المشكلة
الخبير الاقتصادي د. “محمد الناير” يشير في حديثه لـ(المجهر) إلى أن الوضع الاقتصادي الراهن تفاقم منذ بداية اندلاع الثورة وسقوط النظام السابق الذي خلق الأزمات، مشيراً إلى أن الفراغ الذي تعيشه البلاد منذ سقوط النظام أثر على المناحي الاقتصادية، وذكر بأن المواطن اشتدت عليه الأزمات وهو يتفاءل ويأمل في الحلول والمعالجات الاقتصادية العاجلة التي تساهم في نهضة الاقتصاد ورفعته، ولكن لأكثر من شهرين ونصف لم يتم التوصل لاتفاق جاد يخدم القضية الاقتصادية من خلال التفاوض، مبيناً بأن الأسواق تشهد ارتفاعاً مريباً في أسعار السلع الاستهلاكية وتراجعاً مستمراً في العملات الأجنبية وارتفاعاً في معدلات التضخم ، وقال (ننصح المسؤولين بأن يسرعوا في إصلاح الحال سياسياً ومن ثم دراسة المشاكل الاقتصادية التي تواجه المواطن السوداني.
حالة نفسية
الأخصائية النفسية ” نعمة إبراهيم ” ذكرت لـ(المجهر) بأن الأوضاع الاقتصادية تؤثر على نمط الحياة وعلى نوعية الوجبة وتحديداً على نوعية الوجبة وكميتها وهذا التغيير يترك آثاراً نفسية سالبة، مبينة بأن تقليل الوجبات الغذائية يؤثر على نسبة الذكاء ويزيد السرحان ويصاب الشخص بالاكتئاب والقلق المستمر والتوتر فبالتالي ينقص وزنه نسبة لسوء التغذية والاضطرابات واستمرار حالة الاكتئاب تؤدى إلى الانتحار بالإضافة إلى عدم الإحساس بالسعادة وعدم الرضا بالحياة والشعور المتزامن بالعجز مما يؤدى إلى اعتلال في الصحة النفسية وعدم التوافق مع الاجتماعي، وأشارت إلى أن الوضع الاقتصادي خلق فروقات طبقية بين أفراد المجتمع فتوالد الحقد والكراهية بسبب المستوى الاقتصادي، أيضاً ارتفعت نسبة الإدمان بين الشباب وازدادت معدلات العنف داخل الأسر بسبب الضغط النفسي وفقدان الطمأنينة.
صينية الغداء
أشياء كثيرة صاحبت المواطن ومنها افتقاده صينية الغداء التي كانت تحتوي على كمية كافية من المواد الغذائية فبالتالي اختفت ملامح اللمة بين الأسر في السابق كانت تعد (صينية الغداء) عنصراً هاماً لدى المجتمع ففي ذات التوقيت يأتي الأب والأبناء حاملين الخبز (العيش).
وقالت الخبيرة الاجتماعية “سارة أبو” في حديثها لـ(المجهر) بأن صينية الغداء التي تنبع من قفة الملاح تعد أهم خصال المجتمع الذي يعرف بـ(الكرم والجود) فالحلة اليومية في هذه الأوضاع نقدمها تقليدية وأحياناً تتغير داخلها بعض المكونات، ففي السابق كانت الأسرة تقدم أفضل الفطائر والمأكولات للضيوف ولكن مع تغير الأوضاع الكل اكتفى بالموجود وتقلصت مكونات صحون (الصينية) من خمسة إلى صحنين ونقصت القيمة الغذائية قائلة : (اختفي الكرم ورجعنا للكسرة بالموية) وأبدت “أبو” خوفها من أن يؤثر نقص المكونات على الأجيال القادمة لذلك دعت الأسر إلى الرجوع لنظم الزراعة المنزلية ( نأكل مما نزرع)ولكن امتداد المساحات السكنية على حساب الزراعية أصبح عائقاً رئيساً للمواطنين في المدينة، مشيرة بأن ارتفاع تكلفة ترحيل الخضروات لها دور بارز في ذلك.
حصة القانون
وقد نشرت صحيفة (المجهر) سابقاً (سدد زبون غاضب طعنة لصاحب مطعم في مشاجرة وقعت بينهما بسبب زيادة سعر طلب الفول إلى 45 جنيهاً وذلك بأم درمان خلال مشاجرة وقعت بين الزبون وصاحب المطعم حول الزيادة غير المسبوقة خلال يومين حول سعر طلب الفول مما أدى إلى وقوع ملاسنات بين الطرفين على إثرها قام الزبون بسحب السكين وتسديد طعنة لصاحب المطعم).
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم إسعاف المصاب إلى المستشفى ودوّن بلاغ بالأذى الجسيم وتم توقيف الشاب رهن التحقيق) وأوضح القانوني ” مجاهد عثمان” في حديثه لـ(المجهر) بأن الوضع الاقتصادي يكون دافعاً لارتكاب الجرائم بصورة عامة فإذا انعدم الوازع الديني تكون جرائم العنف المادي من سرقة تصل إلى أذى جسماني مثل (النهب _القتل) وأضاف إن القانون السوداني جرم جميع الجرائم ، حيث تصل إلى الإعدام والسجن لمدة (10)أعوام مع دفع الغرامة.
وفصل “عثمان” القانون بأنه (إذا قام بنهب وارتكب قتل عقوبته الإعدام ، وفي حالة فعل الحرابة الإعدام والسجن والقطع )، وأيضاً إذا نهب وقام بالاغتصاب عقوبته الإعدام ، إما إذا نهب فقط عقوبته (10)سنوات سجناً ، مشيراً أحياناً الجرائم الاقتصادية تكون سبباً في عملية الاحتيال وهي أن يتم خداع شخص بأمر ما إذا كانت وظيفة خارج السودان أو عقد عمل ولهذه الأسباب يدفع للمحتال ،والمحكمة تحكم على المحتال بالسجن لمدة (5) سنوات مع إرجاع المال.
سوء التغذية
أخصائية التغذية دكتورة “الزهراء حسن” نصحت المجتمع بالاستفادة من البدائل المطروحة من أجل ترتيب الغذاء مثل عصير الليمون ينقي الجسم ويحتوي على فيتامين سي وأيضا أكل السلطة يوميا بالزيت، مشيرة إلى أن ارتفاع الأسعار جعلنا غير متمسكين بالقيم الاجتماعية وهي (صينية الغداء) الأهم من ذلك بأن الإنسان يسعى إلى ألا يجوع نفسه فيأكل على مدار (24) ساعة من (3إلى 5) وجبات يومياً ، حتى وإن كانت سندوتشات تكفي حاجة الفرد.
في ذات السياق اتفقت مع “سارة أبو” بأن بعض الأسر رجعت إلى تناول (الكسرة بالموية) وعيش القرقوش بـ(الرشة) لسد فجوة الجوع في بطن البسطاء، وأشارت “زهراء” إلى أن تناول مثل هذه الأطعمة يمد الجسم بالطاقة ولكنه سيؤثر على الجسم مستقبلاً ويعرضه للعديد من الأمراض (سوء التغذية) وفقر الدم بالإضافة إلى اضطرابات المعدة وخلل في الأعصاب.