.. كلما قرأت أو استمعت إلى هذه القصيدة للشيخ “عبدالرحيم بن أحمد بن علي البرعي” (إلىماني) التي يبكي فيها حاله وقد ذهب الآخرون بدونه إلى بيت الله الحرام، كلما فاضت عيناي بالدمع واهتاجت نفسي وتهدجت أنفاسي وغالبتني عبرتي وأنا أتأمل هذه المعاني العميقة المؤثرة، وهذا الوصف الرائع المعجز الذي أتى به هذا الشيخ الجليل (عظم الله أجره وأثابه كل الخير والغفران) .
وُلِد “البرعي” هذا في اليمن وعاش في “الحديدة”، وذُكر أنه من أهل التراجم، وكان مفتياً، وعلى قدر رفيع في الأدب واللغة والسيرة النبوية، وتحكي قصيدته هذه آخر رحلاته للحرمين الشريفين، حينما أحسّ بدنو أجله لما صار على بُعْد (50) ميلاً من مكة، وتوفاه الله، ودُفِن – رحمه الله- بـ”خيف البرعي” جهة “وادي الصفراء” بمحافظة بدر عام 803هـ :
“يا راحلين إلى منىً بقيادي
هيجتموُ يوم الرحيل فؤادي
حرَّمتمو جفني المنام لبُعدكم
يا ساكنين المنحنى والوادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي
العِيسُ أطربني وصوت الحادي
فإذا وصلتم سالمين فبلغوا
مني السلامَ أُهَيْلَ ذاك الوادي
وتذكروا عند الطواف متيماً
صبّاً براه الشوقُ والإبعاد
لي في ربى ظلال مكة مرهمٌ
فعسى الإلهُ يجود لي بمرادي
ويلوح لي ما بين زمزم والصفا
عند المقامِ سمعت صوت منادي
يَقُولُ لِي يَا نَائِماً جدّ السُّرَى
عَرَفَاتُ تجلو كل قلب صَادِي
من نال من عرفات نظرة ساعة
نال السرور ونال كل مراد
يا رب أنت وصلتهم وقطعتني
فبحقهم يا رب حُلّ قيادي
بالله يا زوار قبر محمد
من كان منكم رائحاً أو غادي
فليبلغ المختار ألف تحية
من عاشق متقطع الأكباد ..
.. ياااا الله ما أجمل هذا ..!!