مهندس الثورة
“صلاح قوش” ..خريج الهندسة الذي هندس انتفاضة ديسمبر .. مدججاً بنظارة سوداء ، وسيجارة حمراء ، وطاقة أسطورية على العمل والسهر وخزن الأسرار.. وقدرة على اتخاذ القرار .. نال الرجل شهرته كأخطر جاسوس إفريقي ، أو( توب اسباي ) كما يصفه الأمريكان.. ونال كثيراً من المهابة والاحترام ، وهي سمة ملازمة للقادة الكبار..فشل “البشير” في امتحانها لثلاثين سنة..
مابين تسليم “كارلوس” لباريس ، وإرسال “البشير” إلى كوبر ، وطد الرجل علائق تعاون مع (سي آي اي) عش الدبابير في واشنطون.. ومع كبير البصاصين في القاهرة( اللواء عمر سليمان) .. وكان يتفوق على الأخير لأنه كان يلعب دوماً في منطقة الجزاء ، محاطاً بمدافعين أشداء ، تراقبه جماعة الكيزان التي لا يحبها .. وحاشية القصر التي لا تثق فيه..
اعتبره كثيرون من أنبياء الجاسوسية النبلاء ، وهبط به إخوان آخرون الى سفح العملاء الخونة.. ولكنه كان في كلتا الحالتين ماضٍ في مشروعه الخاص ، غير آبه بقادح أو مادح .. وهو ديدن كل صاحب طموح ، وقضية وصاحب مشروع ..
لم يكن مثل اللواء “عمر سليمان” أسيراً لجهاز مخابرات ، تحت رئيس مصنوع (كمبارك) ..ولا مثل اللواء “عمر الطيب” مديراً لأمن رجل دولة مهاب ومحبوب (كالنميري) ..على نقيضهما ،كان يتطلع إلى كرسي القيادة.. وهو مقعد محروس جيداً بإطماع دولية كبيرة ،وأصحاب مصالح داخلية صغيرة ..لكنه لم يلبث إن أوقعه تلاميذه في الفخ، كما وقع “الترابي” قبله ، و”البشير” بعده.. وبدخوله الزنزانة.. تنفس كثيرون الصعداء.. أولهم “البشير” الذي تنفس الصعداء مرتين..يوم دخل “قوش” إلى الزنزانة في (كوبر )، ويوم دخل “الترابي” للإنعاش في (رويال كير)..
وبتوصية من الفريق “عروة” وآخرين ، أعيد “قوش” لمنصبه تارة أخرى.. وكان عازماً هذه المرة على الإطاحة بالثور العجوز.. ومع أطياف المعارضة مد الرجل حبال الوصل.. وأوصل المعتصمين لعرين “البشير” بالقيادة العامة، مع وعد بالحماية ولولاه لكان ميدان الاعتصام سطراً في كتاب التاريخ، مثل بيت الضيافة ، وعنبر جودة ، ومذابح الأنصار في أبا، وميدان المولد..
من الغريب أن تتنكر “لقوش” جهات ثورية صنعها من ليل الأسى وجسارة التضحيات .. من حيث ينبغي أن ينال الشكر والعرفان، مثلما نال مجد الشهادة بين يدي “الإمام الحسين” أحد قادة الجيش الأموي قلب للأمويين ظهر المجن في كربلاء بين صفين ثالثهما موت مجيد.. وشهادة باذخة .. وتاريخ من ذهب..
بعض المواقف الكبار تملك شهادة صلاحية ضد النسيان .. وحصانة ضد النكران.. ومنها مواقف “قوش” في ثورة هندسها بالتمام ..من ضيق الأزقة والحارات ، إلى عظمة الاعتصام..