حدثتني صديقة عزيزة على قلبي بألم كبير كيف أن ابنها البكر وهو شاب زي صباح العيد خريج إحدى الجامعات الهندية، كيف أنه ومنذ يوم فض الاعتصام دخل في حالة نفسية سيئة بسبب أنه كان متواجداً داخل الميدان وشاهد ما حدث بعينيه، وقالت لي إنها سمعت عن شباب آخرين يعانون من ذات الحالة وبعضهم اختارت أسرهم أن تعرضهم على أطباء نفسانيين بعد أن عجزت أن تخرجهم من دائرة التوهان والسرحان، وعلى فكرة هذه الحالة ليست خاصة بهؤلاء الشباب، لكن من يركز مع الغالبية العظمى من شبابنا يكتشف أنه مدبرس وحزين ومصاب بفوبيا المجهول وهو أمر ليس غريباً ولا بعيداً مقارنة بالأحداث التي شاهدوها وعايشوها بل وصنعوها وهؤلاء الشباب دخلوا في معركة كبيرة مع نظام عنيد وقاسٍ ومستبد وهم عزل لا يملكون إلا حناجرهم القوية وأقدامهم التي أعانتهم على الحراك والاحتجاج والتظاهر وانتصروا في المعركة رغم أن كل الشواهد كانت تؤكد حتمية هزيمتهم ومن ثم مواجهة المصير الأسود من اعتقال وتنكيل وتعذيب ، وهذا المشهد في حد ذاته يمثل أكبر سبب للضغط العصبي والإنهاك النفسي والجسدي وحتى بعد أن سقطت الإنقاذ لم يزين الشباب دواخلهم ببشائر اكتمال الانتصار ودخلنا في دوامه المفاوضات والمحاصصات حتى حدوث كارثة فض الاعتصام أو جريمة فض الاعتصام التي دبرست بنا جميعاً، وجعلتنا في حالة من الذهول وقد تحول طعم العيد الحلو إلى مر وعلقم وصباحه الأبيض الساطع إلى سواد وظلمة، وماتت الابتسامة في وجوه الأطفال وحل محلها الخوف والقلق وبالتالي تغيرت الدواخل وتبدلت المشاعر وافتقدنا لأول مره صباحات العيد المعتادة من ترحاب وسلام ومقالدة ومطايبة وتفرغت البيوت بالكامل للحزن وتبادل الأخبار.
الدائره أقوله إن المزاج السوداني قد تبدل بالكامل وأصبح للأسف يميل نحو الشدة والقسوة والمبادرة بالهجوم، وكدي تصفحوا صفحات الفيس وستدهشون لكمية التنمر والعنف اللفظي والمحاكمات التي تجري على رؤوس الأشهاد، لكن بصراحة لا ألوم أكثرهم في ذلك وهم ضحايا لأنظمة وحكومات سرقت أحلامهم وقتلت آمالهم وجعلتهم مسجونين للإحباط والخيبات المتتالية، وبالتالي العهد الجديد يواجه مسؤولية كبيرة وعظيمة لأن الهدم والخراب لم يستثن شيئاً في هذا البلد والخسارة ليست اقتصادية بدمار مؤسسات وممتلكات وأصول، والدمار أصاب النفوس وجعلها خربة خاوية إلا من حزن قديم متجدد وكثيراً جداً من الألم، أقول إن العهد الجديد يواجه تحدي البناء الأكبر وهو ليس بناء الجسور ولا الصروح ولا الأبراج، لكنه بناء الإنسان السوداني من جديد خاصة الشباب الذين شافوا الأهوال وتحملوا مالا طاقة لهم به.
كلمة عزيزة
أي حكومة قادمة تفشل في أن تقود الشباب السوداني الذي أكد صلابته وجسارته وعزيمته أي حكومة تفشل في أن تقوده، وتكتشف فيه مكامن الإنتاج والإبداع لتبني به السودان الجديد هي حكومة فاشلة وسجمانة والمفروض تقع البحر.
كلمة اعز
اللهم احفظ بلادنا من الفتن واجمع أهلها على كلمة سواء.