رهانات من يملك الشارع ومن يملك الدولة العميقة !!
حقي أن أفرح مع قوى الحرية والتغيير بهذا الاتفاق الذي أبرمته مع (العسكري الانتقالي) ، برعاية أفريقية، وهو بعد خطوة مهمة في الطريق لحكم مدني، بعد نحو من(46)عاماً من عمري عشتها تحت حكم العسكر، والذي لم يكن شراً كله.. كانت فيه إشراقات وإنجازات لا تنكر. وحتى سنيّ الإنقاذ ذاتها ، قبل أن يحولها “البشير” من دولة الفكرة لدولة الأسرة ، شهدت نسختها الأولى إنجازات كبيرة، كثورة التعليم والبترول والاتصالات والحكم الاتحادي والسدود والطرق والجسور وغيرها.
سعيد بوصول الفرقاء لاتفاق والمأمول أن يثمر مؤسسات راشدة تضطلع بمهام فترة الانتقال، وهي مهام عصية كالصخر، ثقيلة كالجبال، لكي تهيئ الساحة لحياة ديمقراطية يطيب فيها العمل والبذل والعطاء، في دولة إنتاج تعطي كل ذي حق حقه، ودولة عدل ناجز لا يظلم فيها أحد، ودولة قانون رادع يفكر فيها المجرم ألف مرة قبل أن يقدم على ارتكاب الجريمة، ويفكر المختلس ألف مرة قبل أن يمد يده للمال العام، ويضع المغامرون حبل المشنقة نصب أعينهم قبل أن يفكروا في تدبير انقلاب رجيم..
مبارك للمجلس العسكري نجاحه كـ”سوار الذهب” في امتحان الأمانة الذي سقط فيه المشير الثاني، وقد كنت واثقاً في صدقية رجال المجلس العسكري وزهدهم في الحكم وجدّيتهم في نقل السلطة للمدنيين، وقد سقطت قوى الحرية والتغيير في امتحان الوفاء وحسن الظن بامتياز .. ولو وثقوا في المجلس العسكري وبادلوه الوفاء من أول مرة لكان الوضع الآن مختلفاً جداً.. يكفيه أنه حماهم وآواهم من بطش الإنقاذ والثورة المضادة، فلم يجد منهم غير الإساءة البالغة ونكران الجميل .
شكراً جميلاً طويلاً لمؤسسة عسكرية تثبت كل يوم أنها عرين الأبطال ومصنع الرجال، وأن الحاجة إليها تتضاعف الآن أكثر من أي وقت مضى. لقد كنا وكانوا في (القيفة) ونحن وهم الآن في لجة البحر وعباب الدميرة . نحن بحاجة لديمقراطية يحميها الجيش، ولحريات تحرسها المؤسسة العسكرية، تحميها من عبث الأحزاب ، وتحرسها من ألاعيب الساسة.
ولم يحدث انقلاب عسكري في السودان قط ، إلا ووراءه عبث سياسي ..
شكراً لـ”برهان” و”حميدتي” ورفاقهما وهم يهدون للدولة ولشعبها هذا الاتفاق بين عام دراسي نتمنى أن يكون فيه فصل لمحو الأمية السياسية.. السياسة حكمة وعقلانية وبعد نظر وصبر، السياسة فن الممكن وليست في البلاغة والحلقوم والقدرة على الخطابة بالمنثور والمنظوم، فنحن أمام أزمات ومعضلات ومشكلات ووجهاً لوجه أمام آليات السوق ولسنا في سوق عكاظ .
شكراً للمجلس العسكري وهو يهدينا تجربة جديدة لقوى ثورية حديثة، لـ(نشوف) فلاحتهم في الفلاحة والإدارة والبصارة والصناعة والزراعة بعد أن رأيناها في المتاريس وتحطيم الجامعة، وسمعناها عنتريات في القنوات الفضائية وادعاءات في المؤتمرات الصحفية ..
و أخيرا .. فعلى من يفخر علناً بامتلاك شهادة بحث للشارع، أن يحترم جيداً قدرات من يملك للدولة العميقة.