هل تحقق النيابات المختصة العامة العدالة ؟؟
حل اللجنة العليا للإشراف على التحري في جرائم الفساد
الخرطوم ـ المهدي عبد الباري
أصدر النائب العام الجديد المكلف “عبد الله أحمد عبد الله” قراراً ألغى بموجبه قرار تشكيل اللجنة العليا للإشراف على التحري في جرائم الفساد والمال العام والدعاوى الجنائية المتعلقة بالأحداث الأخيرة وإحالة كل المستندات إلى النيابات المختصة، اعتبر قانونيون القرار تقليلاً من شأن الفساد والجرائم التي وقعت مؤخراً، باعتبار أن الوضع غير طبيعي يستوجب العمل تكوين لجان تحقيق تقصّي الحقائق من وكلاء نيابات مؤهلة .
وكان النائب العام المكلف السابق، “الوليد سيد أحمد محمود”، أصدر عدداً من القرارات ألغى بموجبها أمر تأسيس نيابة أمن الدولة، ونقل جميع أعضاء النيابة العاملين بها إلى رئاسة النيابة العامة، وقراراً بتكوين لجنة عليا للإشراف على التحري في بلاغات الفساد والمال العام والدعاوى الجنائية الخاصة بالأحداث الأخيرة .
فيما كانت رئاسة الجمهورية ، أنشأت في يونيو العام 2012م، آلية لمكافحة الفساد في أجهزة الدولة، قبل أن تحلها بقرار غير مسبب، أثار جدلاً واسعاً، وقتها نص قرار التأسيس، على أن تحال الملفات والمستندات من النيابات المتخصصة بتوجيه من السيد رئيس القضاء، شكلت عدداً من الدوائر والمفوضيات وسبق أن شدّد الرئيس المخلوع “عمر البشير” على استمرار إجراءات مطاردة “القطط السمان” وتطبيق قانون الثراء الحرام مع وجود خيارين فقط أمام كل المشتبه بهم إما التحلل أو إثبات مصدر الأموال .
مشكلات قانونية
تتعدد المشكلات القانونية بحسب قانونيين من بينها عدم تفعيل قانون من أين لك هذا؟ ، إضافة إلى أن الوحدات والمفوضيات التي أنشئت بغرض التحقيق في قضايا الفساد والأحداث الأخيرة لا تشرف عليها النيابات العامة التي ترسم مبدأ الشفافية والمساءلة لكل شخص لتحقيق الغرض منها، حيث أنه لا يمكن محاربة الفساد وتقديم كل من اتهم بالفساد إلى المحكمة إذا لم يوجد هذا القانون. وتفعيل دور مؤسسات المجتمع وتوفير الحماية للمبلغين عن الفساد والشهود في الأحداث الاخيرة . الأصل القانوني هو أن تتبع الوحدات المتخصصة للأمن لوكيل النيابة، وأن يحتفظ القاضي بمسافة منها. القصور الواضح في هذه الحملة هي أنها لم تستهدف إصلاحاً في القوانين، ولم تستهدف أي إصلاحات هيكلية في أجهزة الحكم تسد منافذ الفساد. فرغم أهمية العقاب على الممارسات الفاسدة ، إلا أن الأهم من ذلك هو تسليط الضوء على آلية اتخاذ القرار، لتكون مكشوفة أمام الشعب، حتى تخضع الممارسات الفاسدة للمحاسبة السياسية. الكشف عن ثروة المسؤولين من أهم الآليات المحاسبة السياسية. محاربة الفساد تبدأ بإصلاحات سياسية عاجلة تهدف لإلزام السلطات بالتقيّد بالمصلحة العامة فيما تتخذ من قرارات، عن طريق وضع سلطة اتخاذ القرار في الشؤون العامة تحت رقابة الشعب. وهذا يتم بشكل أساسي بتمكين الشعب من اختيار حكامه، ومحاسبتهم عن طريق التداول السلمي للسلطة. ولا يتحقق التداول السلمي للسلطة إلا بتحرير الإرادة الشعبية عن طريق إطلاق الحريات العامة. وتفعيل كل هذه القواعد يعني ببساطة تحقيق الحكم الراشد، فجوهر الحكم الراشد.
حق قانوني ولكن
قال القانوني “محمد الحافظ” إن القرار إداري طبيعي ولكن كان على النائب العام مراعاة الأوضاع التي تحتاج إلى قوانين خاصة ووكلاء نيابات مؤهلين ، وأن ليس من حقه إيقاف عمل اللجنة العليا للإشراف على جرائم الفساد والأحداث الأخيرة لأن الفساد صار أمراً غير طبيعي وما حدث مؤخراً يحتاج إلى تكوين لجان مختصة .
وأضاف “الحافظ” أن هذه الخطوة غير موفقة وأن القرار تقليل من شأن جرائم الفساد والأحداث الأخيرة، منوهاً أن النيابات المختصة العامة قد يكون بها وكلاء نيابة مبتدئون تحت التدريب، وأن الهدف من تكوين لجان الإشراف والتحقيقات الخاصة هو الوصول للحقائق وتقديم كل من تورط إلى العدالة القانونية، بل كان ينبغي على النائب العام مراعاة الأوضاع الحالية والتعامل بالقانون الخاص لمثل هذه الأحداث ، معتبراً أن القرار سياسي أكثر من كونه قانونياً.
من جانبه أكد القانوني “علي السيد” أن قرار حل اللجنة العليا للإشراف حق قانوني مكفول للنائب العام لأن الأصل في العمل القانوني النيابات المختصة العامة هي التي تقوم بدور التحقيق والتقصي في كل الجرائم، وأيّد “السيد” قرار النائب العام وأن كثيراً من الناس لا يثقون في اللجان الخاصة باعتبار أن القائمين على اللجنة اتباع للنظام السابق، وأنها قد لا تحقق العدالة .
وأرجع القانوني “علي السيد” سبب إصدار القرار قد يكون أن النائب العام رأى أن اللجنة لا تعمل بجدية كافية وقد لا تحقق المطلوب منها .
وبعد نجاح ثورة 11 ديسمبر المجيدة وسقوط “البشير” ونائبه وتولي الفريق “عبد الفتاح البرهان” قيادة المجلس العسكري الانتقالي ووعده بتحقيق مطالب الإرادة الشعبية، لا زال أحد مطالب الثورة قائماً وهو التحقيق في جرائم الفساد واسترداد الأموال المنهوبة بواسطة النظام السابق، ومحاكمة كل المتورطين في الأحداث الأخيرة. تجدر الإشارة إلى أنه منذ إعلان الحرب على الفساد وتكوين لجان تحقيق ومفوضيات له لم تتم محاكمة أي أحد حتى الآن بالرغم من إنشاء محكمة للفساد افتتحها المخلوع في العام المنصرم .