ربع مقال

الترابي .. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر .. !!

د. خالد حسن لقمان

.. قد يختلف الآن الكثيرون – وشخصي الضعيف منهم – حول الراحل الدكتور الشيخ “حسن الترابي” فيما فعله في الثلاثين من يونيو من العام 1989م حين قال للرئيس السابق “عمر البشير” اذهب الآن للقصر رئيساً وسأذهب أنا إلى السجن حبيساً فكانت الإنقاذ عاماً تلو آخر حتى بلغت الثلاثين من عمرها تخللها ما تخللها من أخطاء عديدة تراكمت حتي أصبحت جبالاً انهارت علي رؤوس وهامات أهلها قبل أن تتساقط على رؤوس الآخرين، ولعل من أخذ على هذا الرجل هذا المأخذ (الذي يمثل خطأ عمره التاريخي بالرغم مما أحاط بتلك الفترة من أحداث تراصت معها موضوعيات دفع بها “الترابي” واتباعه آنذاك كدفوعات لما قاموا به حيث تآمر عليهم حلفاؤهم في حكومة الوفاق الوطني وأرادوا إخراجهم ومن ثم إلغاء القوانين الإسلامية ..) رغم هذا فإن منطق هؤلاء المنتقدين لفعل “الترابي” الانقلابي هذا أيده “الترابي” بنفسه حين اعترف به كخطأ بشجاعة نادرة وأمام العالم كله، بل ووصفه بخطئه الشخصي التاريخي وهو الخطأ الذي لم يقف فقط في دائرة قضية اغتصاب السلطة الديمقراطية بانقلاب عسكري، بل أن هنالك آخرين من داخل صفوف حركة الرجل نفسه أشاروا ومنذ الوهلة الأولى إلى خسران الحركة الإسلامية بانقلاب الإنقاذ وهي الحركة التي جعلت لخطي الفعل السياسي الوطني ضلعاً ثالثاً بعد أن كان يسير على خطين متوازيين مثلهما حزبا البيتين الكبيرين بقيادة آل “الميرغني” وآل “المهدي” إلا أن القفزات المتسارعة لحركة الترابي بتيارها الإسلامي السياسي الحديث والمستوعب للشباب والمثقفين قد جعلها تحوز وبجدارة على ضلع المثلث الثالث في القوى السياسية السودانية، بل ووضعها ذلك كحصان أسود توقع له الجميع أن يكون في المقدمة إذا ما اكتملت دورة الانتخابات التي كسرها الترابي بنفسه وكأنه حينذاك قد فقع عينيه بأصبعيه .. نعم اختلف الكثيرون حول “الترابي” تحديداً في هذا الجانب وهذا الفعل الذي قام به ولم يختلفوا مطلقاً عليه كسياسي فذ ومفكر ضخم وفقيه مجتهد وقانوني دستوري لم تعرف المنطقة من يبزّه خلال سنوات طويلة وعقود متتالية شكلت مجتمعات المنطقة بحداثتها وتطورها.. والآن عندما ننظر لحالنا والأزمة التي تواجهها بلادنا حتماً يطل وجه “الترابي” ليقول شيئاً كان يمكن أن يكون فعلاً كبيراً يخرجنا من ما نحن فيه وكم من مأزق سياسي كان للرجل ريادة الفعل في تجاوزه وكم من موقف معقّد ساهم الرجل في حلّه والعبور بالناس منه .. نعم ودونما تعصّب فكري أو حزبي يجب أن نعترف بأن الساحة في زمان أزمتنا الحالية قد افتقدت رجلاً اسمه “الترابي” ..

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية