بحسب اعتقادي أن خطوتين مهمتين تلكم التي شرع فيهما نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول “محمد حمدان دقلو”. أولهما وهي الأهم إبداء اعتذاره عن تأخر المجلس في الالتفات لمعاش الناس، وانشغالهم بمفاوضات الحرية والتغيير، وهو يشدّد على أن المعالجة ستكون جذرية. ولتفعيل ذلك جلس مع بعض تجار الدولار والذهب، مؤكداً على أن معالجة ارتفاع الأسعار ستجتث من دابرها، وقال إنه لا بد من تشديد الرقابة لضبط الانفلات في السوق، متهماً بأن بعض السياسيين همهم الأول هو الحكم فقط دون الالتفات إلى معاناة الناس.
لعمري فإن ذلك أجمل ما قيل كون المواطن العادي لا يهمه من كل هذه (الجوقة) سوى معاشه الذي ومن المفترض أن التغيير كان من أجله وأول انطلاقة عفوية كانت من مدينة عطبرة على خلفية انعدام الرغيف قبيل أن تعم عدداً من الولايات المتضررة من ذات الأمر، وقبيل أن تتحول لصراع على السلطة وصراع تحقيق المكاسب الذاتية. وبدل أن ينعم المواطن برياح التغيير التي هبت عليه تحولت لعواصف قضت على ما تبقى من يابس ومخضر. فظل يكتوي بلهيب الأسعار وكأنه يعاقب دون ذنب اقترفه. ماله المواطن المغلوب على استلام “زيد” للسلطة أو جلوس “عبيد” على كرسي تلك الوزارة؟ صحيح أن ما يتمخض عن أحداث الساعة قضايا مصيرية، لكنها ليست ذات تأثير مباشر فقط ما يعنيه التمتع بحياة في متناول يده.
ولعل أهم ما قال به “حميدتي” هو انفلات السوق هذا الأمر الذي ظل المجتمع يجأر منه بالشكوى خلال فترة الحكومة السابقة دون أن يجد أذناً صاغية وصدقاً، ذهب وهو يجزم بأن بعض السياسيين همهم الأول هو الحكم فقط. فإن كان الحال كذلك وهنالك من يقف على سدة الجهات ذات الصلة فالطبيعي أن يزداد الانفلات ويخرج عن السيطرة. وحديثه هذا إن تنزل على أرض الواقع فسيشكل له السند والدعم بلا استنفار وإجهاد لأن هذا مطلبهم بعيداً عمن الحاكم.
وفيما يلي جلوسه إلى بعض تجار الذهب والعملة، فهذا أمر جيد إلى حد لأنهم جزء من أزمة النقد التي استفحلت وطال أمدها، رغم أن هنالك أسباباً عويصة وعصية على الحل في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد، ولعله استسهل الجلوس إلى هؤلاء المضاربين كأضعف الحلول التي يمكن أن تخفف احتقان السوق، سيما أن واحدة من أسباب تذبذبه هو طمع هؤلاء واتخاذهم من حاجة المواطن متكسباً وهو يهم لأداء فريضة الحج وخلافه ونتمنى أن تثمر هذه المحاولة.
أما الخطوة الهامة الثانية التي اتخذها المجلس العسكري الانتقالي هي استقطابه للحركات المسلحة التي فشلت الحكومة السابقة في تليين جانبها، فقط وضع هدنة للحرب لا تتجاوز الأشهر. ولتحقيق ذلك استجاب مفوض المجلس “حميدتي” لطلب رئيس حركة تحرير السودان “مني أركو مناوي” إطلاق سراح جميع أسرى الحركات المسلحة، ولعل هذه الخطوة وقبل كل شيء أنها تصب في أمن وأمان البلد وهم ينشدون السلام بوضع السلاح والانخراط في المفاوضات سيما أن عدداً مقدراً منهم جزء من إعلان الحرية والتغيير.
كما أن صدى وتداعيات الخطوة نزلت برداً وسلاماً على الحركات حيث أعلنت حركة العدل والمساواة بقيادة “جبريل إبراهيم” ترحيبها بهذا القرار وأنه خطوة إيجابية في الطريق الصحيح، فضلاً عن إشادة حركة جيش تحرير السودان، كما أبدت ترحيبها باللجنة العليا التي شكلها المجلس للتواصل معها للوصول إلى تفاهمات بما يحقق السلام الشامل في البلاد. وبذا يكون المجلس قد كسب ورقة رابحة جداً كان من الممكن أن تستخدم ضده، وأخرج البلاد من مآلات محتملة، كذلك نتمنى أن تسير كافة الأمور على هذا النحو، وأن تنعم البلاد بالأمن والاستقرار أبداً.