رأي

لعناية القضاء

امل ابو القاسم

ترى هل طالت الفوضى وتأرجح الأمور وعدم اتزانها هذه الأيام القوانين التي تبلى وتستحدث وفق معايير ودساتير ما يعني رسوخها لفترة طويلة، ليصبح القانون قانوناً ثابتاً لا يمكن التساهل والتلاعب فيه؟ . ذلك أن الخبر الذي طالعته أمس الأول عن إطلاق سراح نظامي متهم بالاعتداء على قاصر حد الإنجاب يشي بأن ثمة اختراق حدث في القوانين وطال قانون الطفل المعروف والمعد مؤخراً.
للحق فقد كان الخبر صادماً كونه يستسهل القضية التي تجتهد في حلها كافة الجهات المعنية، ويحاول الكثيرون تحجيم أن لم يكن وأد هذه المشكلة التي بلغت حد وصفها بالظاهرة لكثرة ارتكابها بكافة الصور سواء أن كان تحرشاً أو اعتداءً، ومن أجلها عكف القانونيون ومنظمات المجتمع المدني والناشطون في الوصول لعقوبة رادعة تقلل من الفعل، ويصبح مرتكبها عِبرة لكل من تسول له نفسه التفكير في ارتكابه، فكان مخاض قانون الطفل للعام 2010م ، وقد حوى الكثير من البنود وارتفع فيه سقف العقوبة إلى العشرين عاماً إن لم يصل للإعدام.
ثم وببساطة متناهية يتم إطلاق سراح متهم نظامي اعتدى على طفلة أنجبت منه سفاحاً مقابل تسوية، الموجع أن الأمر تجاوز التحرش وبلغ حد الإنجاب. أكاد أجزم أن الكثير من المهتمين بهكذا قضايا فضلاً عن المختصين صدموا بالحكم، إذ كيف لقاضٍ ضرب القوانين عرض الحائط وتبرئة ذئب بشرى نتيجة فعلته التي لا تحتاج لاجتهاد ومحاكمات متوالية، فالإنجاب خير دليل ولجوءه لدفع تسوية لهو إقرار صريح؟ وإن كانت الأسرة قد تنازلت عن حقها الخاص فهناك الحق العام.
نعم..سمعنا كثيراً بدفع الدية لأهل القتيل إن عفوا عن القاتل وقبلوا بها فهي منصوصة في القرآن الكريم والسنة الشريفة قبل التشريعات الوضعية، لكن (يطرشنا) دفع تسوية مقابل العفو عن مغتصب ومنتهك للشرف والإنسانية. ونعم.. هنالك كثير من الأسر تتستر على هكذا اعتداءات لاعتبارات شتى فلا تخرج من جدران المنزل، أما وقد بلغت المحاكم فلا يجوز لهم سوى انتظار الحكم والمسؤولية تقع على عاتق القضاء ليقتص للمجتمع أجمع وليس أسرة واحدة.
وإن كنا قد افترضنا في قانون 2010 الذي اشتمل على الحقوق والواجبات والذي غلظ العقوبة حد الإعدام في بعضها لم يشفع في الحد من القضية بل كأن شيئاً لم يكن فكيف لإهداء هؤلاء المجرمين مسوغاً جديداً يسمح لهم بارتكاب فعلتهم مقابل تسوية تلجم لسان الأسر! ثم بالله عليكم كيف لهذه الأسرة أن تسترخص فلذة كبدها لهذه الدرجة، وكأني بها تبيع شرفهم في سوق ردهات المحاكم، أما إن كانت هذه التسوية بالزواج فخير، رغم أن ذلك كان يمكن أن يتم خفية حتى لا تتضاعف معاناة المعتدى عليها نفسياً.
سيدي النائب العام، حتى وإن كانت هذه التسويات عن طريق تزوج المعتدى عليها، وكما ذكر المصدر الذي تحدث في الخبر، يجب إشراك الطفل في مشكلته، فربما كان غير راغب في هذه العلاقة لاسيما إن كان الاعتداء وحشياً أو بلا رغبة، فستتجدد المعاناة النفسية عند تكرار الفعل، والمؤكد أنها ستكون كارهة له. كذلك من يضمن أن هذه الزيجة محض حل مؤقت ومتى ما وجد الطرف الآخر أنه أصبح في أمن من القضاء قام بتطليقها، ومن يضمن أنه وإن استمر لن يذلها وأهلها. سيدي رئيس القضاء، والنائب العام، ليتكما تعيدون النظر في هذه التسويات المعيبة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية