(أبيي) .. اتفاق جزئي ومخاوف العودة لمربع الاقتتال .. !!
لا تزال قضية (أبيي) المتنازع حولها بين السودان وجنوب السودان، القضية العصية على الحل تراوح مكانها وتمضي من تعثر إلى آخر في ماراثون المفاوضات المضنية بين الدولتين، وتمثل (خازوقاً ومسمار جحا وكشمير السودان) بمثل ما يشبهها البعض، فكلما تقدمت خطوة للأمام خلال التفاوض عادت وانتكست خطوتين إلى الخلف، وظلت تُرحل كما العادة للأمام، الأمر الذي اعتبره مراقبون هروباً للأمام، وما تزال مواقف الدولتين حول البلدة الغنية بالنفط متباعدة في عدد من قضايا التفاوض، لا سيما فيما يتعلق بتشكيل الإدارية والمجلس التشريعي للمنطقة بجانب عدم الاتفاق على إجراء الاستفتاء حول المنطقة بسبب الاتهامات المتبادلة بين الدولتين وتمترس الدولتين خلف مواقفهما. وبينما تتمسك دولة الجنوب بموقفها القاضي بأن شعب المسيرية لا يمثل جزءاً أصيلاً في حدود المنطقة وبالتالي لا يحق لهم التصويت وإنما يحق التصويت فقط لعشائر دينكا نقوك بحسب موقف دولة جنوب السودان، تتشدد الحكومة بالمقابل في موقفها القاضي بالتمسك ببرتوكول المنطقة وقانون الاستفتاء الذي أقره البرلمان في وقت سابق، ورغم اتفاق الطرفين على تكوين الإدارية وتبادل المرشحين للمواقع المختلفة بعد قبول الخرطوم بمرشحي جوبا لشغل مناصب الإدارية التي تتألف من (7) أشخاص (4) من دولة الجنوب و(3) من الشمال لكن ما تزال الخلافات حول المجلس التشريعي التي أحيلت للوساطة الأفريقية، بعد تمسك جوبا بنسبة (75%) من أعضاء المجلس الأمر الذي رفضته الخرطوم، ويعتبر مراقبون تباعد هذه المواقف بأنه يمثل الخطر القادم والمحدق بالبلاد حال عدم التوصل الى تسوية سلمية للمنطقة، وأكثر ما يخشاه المتابعون أن تجر المنطقة الدولتين إلى نذر حرب جديدة وشاملة والعودة إلى مربع الاقتتال، طالما فشلت التسوية السلمية وترجيح تبني مجلس الأمن الدولي للقضية وفرض حلوله عن طريق القوة باستخدام الفصل السابع…
ولم يتحقق أي تقدم يذكر خلال التفاوض الحالي بشأن المنطقة في أديس أبابا رغم أن دولة الجنوب دفعت بمرشحها لشغل منصب رئيس الإدارية العميد معاش “كوال دينق بيونق” بعد تجريده من رتبته العسكرية وإحالته للمعاش ليتواءم مع المهمة المدنية الجديدة بجانب تسمية “شول نقوي” للحكم الإداري لأبيي و”أشاي دينق” مسؤولاً عن الصحة في المنطقة، وما فتئت الخرطوم وجوبا تتبادلان الاتهامات بشأن المنطقة كان آخرها اتهام الرئيس المشارك للجنة الرقابة المشتركة لأبيي “لوكا بيونق” للخرطوم الذي اعترض على قرار تشكيل مفوضية الشؤون الانسانية للمنطقة الذي اعتبره قراراً من جانب واحد اتخذته حكومة الخرطوم بعيداً عن جوبا متهماً الخرطوم بإرسال وفد إلى المنطقة دون تنسيق مسبق مع دولة الجنوب أو لجنة الرقابة المشتركة قبل أن يكرر اتهامات جوبا للخرطوم بمحاولة توطين المسيرية في البلدة حتى يتمكنوا من إضعاف وعرقلة الاستفتاء المزمع إجراؤه في أكتوبر المقبل – على حد تعبير الرجل.
ويعتبر القيادي الجنوبي “لوكا بيونق” أن كل هذه المؤشرات ليست جيدة لبناء الثقة بين الدولتين ووجود إدارة فعالة يمكن أن يساعد في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة ويضيف – وفقاً لتصريحات أدلى بها بحسب (سودان تربيون) – أنه على الرغم من اتصالاته بالرئيس المشارك للإدارية من جانب السودان “الخير الفهيم” إلا ان لديه القليل من المعلومات حول محاولة الخرطوم إنشاء جسم الشؤون الإنسانية في “أبيي”.
وفي خطوة متوقعة سبق وأن قبل مجلس السلم والأمن الأفريقي، في بيانه الختامي بمقترح وضع الحل النهائي لأبيي المقدم بواسطة آلية أبيي في 27 سبتمبر 2012، ووصف المقترح بالعادل والعملي لإنهاء النزاع بين البلدين. وذكر مجلس السلم والأمن الأفريقي بأن المقترح يأخذ في الاعتبار الاتفاقيات الموجودة التي اتفق عليها الطرفان في وقت سابق، بالإضافة إلى احتياجات ومصالح كل المجموعات على الأرض، وأحال المجلس الحسم النهائي لوضع المنطقة لاجتماعه على مستوى رؤساء الدول الأفريقية الذي سيعقد على هامش اجتماعات الجلسة العادية لقمة الاتحاد الأفريقي في يناير الحالي.
ولم يتفاءل الكثير من المتابعين بخطوة ترحيل القضية لقمة رؤساء القارة الأفريقية المقررة في نهاية يناير الحالي بغرض حسمها سلمياً، طالما أن الاتحاد الأفريقي قبل بتمرير وتبني مقترح الوسيط الأفريقي ورئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى (ثامبو أمبيكي) الذي يشير إلي إجراء استفتاء في المنطقة في أكتوبر من العام (2013)، وإحالته لمجلس الأمن الدولي الذي بدوره سيتبنى فرض حلول ملزمة للطرفين حتى باستخدام الفصل السابع، ويرى القيادي في قبيلة المسيرية “عبد الله ود أبوك” أن ترحيل القضية إلى قمة الرؤساء يعنى تمرير مجلس السلم والأمن الأفريقي للمقترح وهروب بالقضية للأمام طالما أن مجلس السلم الأفريقي يعتبر منظمة أفريقية تعمل في إطار حل النزاعات الأفريقية، ويذهب إلى أن القضية تم تدويلها تماماً، وأن “أمبيكي” قدم مقترحه الذي أحدث ربكة كبيرة حول القضية، قائلاً: (كان من الأفضل للجنة “أمبيكي” أن تتعامل مع المقترح وتعدله نحو الحل الحل السلمي) مبيناً أن رؤساء الدول الأفريقية لا يستطيعوا حسم الملف طالما أن هناك جهات خارجية تدخلت و(باعت واشترت في المقترح) قبل أن يتوقع تأثير العامل الخارجي في القضية ويحضر بقوة ويؤثر على الرؤساء الأفارقة أنفسهم وأن تأثير الدول العظمى على رأسها الولايات المتحدة سيكون تأثيراً كبيراً وأن الدول الأفريقية ستكون مجرد (ضل).
وينحي القيادي المسيري “ود أبوك”، في حديث لـ(المجهر) باللائمة على الحكومة في تساهلها وتفريطها في القضية، مبيناً أن المقترح يتماشى مع الحكومة – على حد تعبيره – قبل أن يتهم الحكومة بالفشل في معركتها الرئيسية عندما كانت تتفاوض مع الجنوب بوجود الوسيط الأفريقي “ثامبو أمبيكي” تتفاوض بسياسة النفس الطويل لكنها اكتشفت في الآخر نفاد الوقت وكل الوسائل بعد اقتراب الملف إلى مجلس الأمن الدولي، ويشير القيادي المسيري إلى أن الخطر لا محالة قادم ومحدق بالبلاد وأن ما تم في مجلس السلم الأفريقي لا يعد كسباً ولا نصراً بل مزيداً من المعركة، مبيناً أن الأطراف الدولية أضحت تلعب بالقضية بموافقة الحكومة كما يلعب الصبيان بالكرة.
ويرى أن الرؤساء الأفارقة أمامهم خيار واحد يكون فيه الحل النهائي للقضية عبر الرجوع إلى الأطراف السودانية في الشمال والجنوب وعناصر المجتمعات المحلية بتوفير الأمن والاستقرار وعبر التعايش السلمي، ويقول أنهم ينظرون إلى قمة الرؤساء بريبة وشك (لأننا (ملدوغين) من أكثر من جهة حتى من أبناء جلدتنا لكن في حال الذهاب بالقضية إلى منحى آخر فحينها سنقول ما نؤمن به بعد قرار مجلس الأمن).
ويذهب القيادي في المؤتمر الشعبي، الوزير السابق في مقاطعة البحيرات في الجنوب، مقرر أمانة الجنوب بالمؤتمر الشعبي “أحمد عبد الرازق” في حديث لـ(المجهر) في تحليله حول مآلات وضع المنطقة إلي أن هناك عدداً من السيناريوهات المحتملة تجاه القضية على رأسها جعل المنطقة منطقة تكامل بين الدولتين وهذا مرفوض من قبل بعض الجهات، والأمر الآخر تقسيم المنطقة بموجب اتفاق بين السودان وجنوب السودان وخاصة بين دينكا نقوك والمسيرية والسيناريو الأخير وهو تدخل المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن الدولي بفرض حلوله بالقوة عن طريق الفصل السابع وضم المنطقة للجنوب، وإما أن تبقى المنطقة مثل منطقة حلايب يطول أمد التفاوض حولها، ويرى أن على الدولتين الاستعجال في حسم القضية ويمكن أن تعالج في إطارها الاجتماعي.