تقارير

الساسة والعسكر .. السير في حقل ألغام

قتامة المشهد تصعب العبور

الخرطوم : مزدلفة محمد عثمان
حتى اللحظة تبدو الصورة السياسية في البلاد مرتبكة ومحاطة بظلال قاتمة يصعب معها التكهن بمآلات الأشياء، رغم أن المؤشرات العريضة ترجح كفة قوى المعارضة التي نجحت حتى الآن في قيادة المجلس العسكري الانتقالي إلى ملعبها المتخذ من (ساحة الاعتصام) حائط صد تتكسر عنده كل المحاولات الرامية لحشد مؤيدي النظام السابق وإلحاقهم بالتوليفة الجديدة لحكومة (العسكر والتكنوقراط) إن صحت التسمية.
ومع ذلك فحالة التجاذب التي ميزت علاقة قوى المعارضة والمجلس العسكري طوال الأسبوع الماضي تشير إلى أن القادم لن يكون سهلاً، والمؤكد أن الجميع عساكر وساسة بات أشبه بمن يقذف كرة لرفيقه وسط حقل من الألغام.
وما زاد من خطورة المشهد ظهور لاعبين جدد من غلاة المتشددين الدينيين يسعون لحشد رأي عام مضاد لقادة المعارضة والثوار وتصويرهم كأعداء للدين الإسلامي.
ثم أن التوافق الذي جرى بين الطرفين كان نتاج خلاف كبير بعد رفض قوى (إعلان الحرية والتغيير) التعامل مع اللجنة السياسية برئاسة الفريق ركن “عمر زين العابدين” واتهامها بعدم الجدية في التعامل مع التحالف المعارض ومحاولة مساواته بمن أطلق عليهم رئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض “عمر الدقير”: (الطلقاء) في إشارة إلى قوى حزبية كانت جزءاً من النظام المخلوع حتى ساعاته الأخيرة، ثم أسرعت مع الانقلاب إلى لملمة أطرافها للحاق بحكومة “عبد الفتاح البرهان”، ووجدت الباب مفتوحاً بل مرحباً بها جنباً إلى جنب مع قوى الثورة التي ذاقت الاعتقال والملاحقات والتضييق والتنكيل العنيف على مدى أربعة أشهر.
تلك كانت نقطة الخلاف الرئيسية بين المعارضة واللجنة السياسية علاوة على اتهام قادتها لـ”عمر زين العابدين”، “جلال الشيخ”، “أبو بكر مصطفى” بموالاة الإسلاميين المغضوب عليهم كتنظيم سياسي باعتباره المسؤول عما وصلت إليه الأوضاع في البلاد، ولما تعذر على المعارضة تغيير الحال أعلنت تعليق التواصل مع المجلس العسكري ومواصلة الاعتصام مع الإعلان عن الاتجاه لتشكيل حكومة مدنية يتم إعلان مرشحيها على الملأ في ساحة الحشد الثوري بمقر قيادة الجيش.
وفي محاولة لتدارك الوضع وتأكيد المجلس العسكري جديته في التسوية وتحقيق التوافق، أعلن متحدثه الرسمي أن ثلاثي اللجنة السياسية المتحفظ عليه تقدم بالاستقالة وأن المجلس ينظر فيها.
جاء هذا التطور بعد وقت وجيز من اجتماع قادة الحرية والتغيير برئيس المجلس “عبد الفتاح البرهان” ليل (الأربعاء) الماضي، كما أعقب ذلك مؤتمر نهاري لقادة المعارضة أكدوا فيه مواصلة الاعتصام وإمكانية تصعيد الوضع إلى إضراب شامل.
ومقابل تجاوب المجلس العسكري مع طلبات قوى الحرية والتغيير دون نسيان التأكيد على دورها الريادي في الإطاحة بالنظام السابق، كان على التحالف المعارض أن يبدي المرونة اللازمة ويبادل المجلس تأكيد الرغبة في إنهاء الوضع المتوتر، فأعلن تأجيل إعلان مرشحيه للهياكل الانتقالية بعد أن حشد لمليونية (السلطة المدنية) على أن يتم تشكيل لجنة من الطرفين للجلوس والتشاور حول النقاط الخلافية المتبقية ينتظر أن تكون أكملت ليل أمس معالم الاتفاق الرئيسي فيما يخص تكوين مجلس السيادة، خاصة أنه من بين المسائل مثار الجدل بين (الساسة والعسكر)، حيث أكد المتحدث باسم المجلس “شمس الدين كباشي” أنه سيكون عسكرياً بالكامل، لكن التسريبات التي خرجت بعد الاجتماع الأول للطرفين أشارت إلى ترجيح كفة أن يكون المجلس خليطاً بين الاثنين.
ومن النقاط الخلافية كذلك الفترة المحددة للحكومة الانتقالية والتي تريد أحزاب التغيير أن تكون أربع سنوات بينما يرى المجلس قصرها على عامين.
فالمعارضة تعتقد أن عامين لا تكفي للتخلص من دولة المؤتمر الوطني العميقة وإجراء إصلاحات جذرية في كل مناحي الدولة، ولذلك تهيأت في كل تحضيراتها التي سبقت سقوط نظام “البشير” بأن يكون البرنامج الانتقالي مدته أربعة أعوام. ووقعت عهوداً ومواثيق وبرنامجاً ودستوراً لتلك الفترة للتمكن من حل قضايا (30) عاماً من (الظلام حروباً وتدهوراً في الاقتصاد وفي العلاقات الاجتماعية والسياسية،وتتوافق فيها على تفكيك مؤسسات الدولة العميقة وتقيم فيها العدالة بالمحاكمات العادلة، وتحل فيها الضائقة المعيشية ببرنامج إسعافي ثم مؤتمر دستوري تحدد فيه كيف يتم حكم السودان، وتختم فترتها الانتقالية بالانتخابات الحرة والنزيهة).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية