تقارير

كررت ذات سيناريو "بن لادن" في أفغانستان: مكافآت أمريكا المالية.. تساؤلات حول الجدوى والتوقيت!!

عندما أرادت الولايات المتحدة أن تلقي القبض على زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن”، أحد أكثر المطلوبين خطورة لديها وقتها، عرضت مكافأة قدرها (25) مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجوده، ثم نشرت، وعلى نطاق واسع، صوره في عدة مناطق في باكستان وأفغانستان. واستمر هذا الأمر لفترة طويلة حتى استطاعت أن تقتله في عملية شهيرة العام الماضي بباكستان. وها هي واشنطن تعرض مرة أخرى مكافأة أخرى، ولكن بقيمة مالية أقل وقدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لاعتقال كل من “عبد الباسط حاج الحسن حاج حمد”، و”محمد مكاوي إبراهيم محمد”، وهما ضمن خمسة أشخاص أدانتهم محكمة سودانية عام 2009م بقتل “جون غرانفيل”، الذي كان يعمل في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وسائقه “عبد الرحمن عباس رحمة”، عندما هاجم مسلحون سيارتهما عقب الاحتفال برأس السنة بالخرطوم في 2008م. ومع أنها عرضت المكافأة على موقع وزارة الخارجية، إلا أنها تعني السودانيين بطلبها هذا في المقام الأول، باعتبار أن الجانيين سودانيان وعاشا في السودان ولديهما أسر وعلاقات اجتماعية متبادلة، وبالضرورة أن تكون هنالك معلومات متبادلة عن أماكن وجودهما، مع أن هنالك اعتقاد واسع  بوجود المطلوبين في جهة ما في الصومال، وهو ما أشار إليه بيان الخارجية الأمريكية الذي نشرته يوم أمس الأول (الثلاثاء). وتكتنف الطلب أيضاً صعوبات واقعية لجهة أن المطلوبين ليسا من المشاهير، وبالتالي لابد من نشر صورتيهما على الملأ، وهو الأمر الذي لا تستطيعه  واشنطن، ذلك لأنها ليس في إمكانها نشر صور وملصقات   المطلوبين في شوارع الخرطوم بالطائرات أو لصقها في الأماكن العامة لاعتبارات كثيرة، منها أن السودان دولة ذات سيادة ولا يمكن للسفارة الأمريكية أن تقوم بمثل هذا الفعل كما فعلت في إسلام أباد وكابول. كما أن السودان ليس بالدولة المحتلة بواسطة الولايات المتحدة والتحالف الدولي، هذا فضلاً عن أن العلاقات بين الدولتين ليست على ما يرام بعد أن هاجم متظاهرون غاضبون مبنى السفارة الواقع في ضاحية (سوبا)، على خلفية نشر الفيلم المسيء للرسول الكريم “صلى الله عليه وسلم”، وهو الأمر الذي دعا واشنطن  إلى الطلب من الخرطوم إرسال فرقة من قوات المارينز لحماية بعثاتها الدبلوماسية فرفضت الحكومة السودانية، وردت أمريكا بإغلاق مكتب قنصليتها في الخرطوم ونقله إلى كينيا حتى هذه اللحظة.
هب، مثلاً أن شخصاً لديه معلومات عن المطلوبين، ويريد أن يبلغها للأمريكان ويأخذ المكافأة فماذا يفعل؟ وما هي الآليات المتبعة لإيصال المعلومات المطلوبة؟ وهل هنالك تنسيق بين السلطات السودانية والسفارة الأمريكية في هذا الصدد؟ وهل ستبعث واشنطن فرقة من مكتب التحقيق الفيدرالي للخرطوم من أجل المساعدة والبحث؟!
السفارة الأمريكية في الخرطوم أجابت عن بعض هذه الأسئلة خلال مؤتمر صحافي عقدته يوم أمس بالخرطوم، وقالت إنها نسقت وظلت تنسق مع الحكومة السودانية، على الدوام، في هذا الملف الشائك. وأكد “روبرت أي هارتنق” مساعد مدير التحقيق والتحليل للتهديد بالخارجية الأمريكية، إن واشنطن تعمل في تعاون وثيق مع حكومة السودان منذ خمس سنوات في هذه القضية. كما أنه قال إنه لم ترد لهم معلومات بخصوص وصول المطلوبين إلى الصومال قائلا: (ليست لدينا أدلة أن المدانين وصلا الصومال)، ونقلت صحيفة (ذا بافلو) عن عضو الكونغرس الأمريكي “برايان هيقين”، وهو مهتم بقضية وأسرة “غرانفيل” (إن المكافأة الكبيرة جداً التي عرضتها الخارجية الأمريكية للقبض على الجانيين هي أمر يستحقه وهو مطلوب). وأضاف “هيقين” الذي دعا الخارجية إلى عرض المكافأة يقول: (بالطبع قد يبدو عرض المكافأة أمراً غير واقعي ولكن من شأنها أن تضيق الخناق عليهما). وتابع: (ونحن نعتقد أن هذا هو تقدم كبير.. المال هو المهم في هذا الجزء من العالم، كما هو الحال في كل مكان- وخاصة مكافأة بهذا الحجم. وأعتقد أنه سوف يكون من المفيد في القبض على القاتلين).
من جهتها، قالت الخارجية السودانية إن موضوع المكافآت التي عرضتها واشنطن أمر يخص الولايات المتحدة الأمريكية وحدها وليس للحكومة السودانية دخل فيه. وقال مسؤول رفيع في الوزارة لـ(المجهر) يوم أمس بعد أن اشترط حجب اسمه: (من حيث المبدأ فإن عبد الباسط حاج الحسن حاج حمد، ومحمد مكاوي إبراهيم محمد هما مطلوبان للعدالة.. ومطلوبان بشدة وتتعامل الحكومة السودانية في هذا الأمر بأنهما مطلوبان، ولكنها لم تعرض مكافآت ولن تفعل ذلك، وهذا لا يعني أن السلطات الأمنية ستتكاسل في القبض عليهما، بل ستبذل كل ما في وسعها من أجل إحقاق العدالة. ويعدّ أستاذ الفكر السياسي الدكتور “خالد محمد شامة” أن من اتخذ    قرار المكافأة لا يفهم العقلية التي يفكر بها السودانيون إن كان   يقصدهم بعرض عشرة ملايين دولار عليهم. وقال خلال اتصال هاتفي مع (المجهر) يوم أمس: (السودانيون لا يحبون الوشاية بطبعهم، فكيف ذلك إن جاء من شخص غريب والولايات المتحدة خصوصاً). وأوضح يقول: (حتى ولو تم عرض مليار دولار فلا أعتقد أن سودانياً يملك معلومات يمكن أن يقدمها للأمريكان، كما أن هنالك أمراً آخر وهو متعلق بالسلامة والأمن فلا أحد يتوقع الكيفية التي يمكن أن ينتقم بها هذان المطلوبان أو من ينتميان إليه لو عُرف الواشي).
وكانت المحكمة قد قضت بعقوبة الإعدام على أربعة من المتهمين الخمسة الذين أدينوا بمقتل الدبلوماسي الأمريكي، إلا أنهم تمكنوا من الفرار من السجن في يونيو عام 2010م، وأعيد اعتقال أحدهم، فيما نقلت تقارير مقتل آخر في الصومال عام 2011م.. و”مكاوي”، الذي قاد الهجوم على غرانفيل، ويشتبه بأن له صلات بـ(تنظيم القاعدة في أرض بلاد النيلين)، ولد عام 1984م في السودان ويتحدث العربية والإنجليزية. أما “عبد الباسط” وهو القاتل الثاني فقد ولد في السودان ويستخدم 1979م و1983م كتاريخين لميلاده.
وخلال أواخر الشهر الماضي تم تسريب شريط فيديو صُور فيه كيف استطاع المدانون تنفيذ هروبهم من السجن والآليات التي استخدموها في الهروب، وأظهر الشريط أن المدانين حفروا نفقاً بطول (38) متراً للهروب من سجن (كوبر) وهو معروف أنه من  أحصن سجون السودان ولم تسجل سابقة هروب منه. غير أن المسؤول الأمريكي وخلال رده على أسئلة الصحافيين حول الشريط رد بالقول (لم نر شريط فيديو لهروب المدانين).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية