كم هو مؤلم على النفوس والأفئدة، وكم هو تحقير للسياسات الاقتصادية والمالية الوطنية، عندما يتحدد ارتفاع الدولار مقابل الجنيه السوداني من خلال اتصال تلفوني أبطاله إمبراطورية السماسرة من داخل غرفة في عمارة بإحدى مناطق ولاية الخرطوم، وكم هو مدمر للمشاعر والأحاسيس، وكم هو استخفاف على نظريات عالم المال والبزنس، عندما يجد السعر الذي خرج من هواتف هؤلاء المضاربين المصادقة الرسمية والواقعية في دنيا التعامل مع الدولار، وبذلك يطغى دولار المضاربة على دولار السعر الرسمي في السوق ويسحب منه قدسية الاعتماد والاعتراف.. فالشاهد أن ما يحدث في سوق مضاربات الدولار يمثل لغزاً محيراً وصندوقاً مغلقاً ومنهجاً يخطف الأبصار والألباب، تتهاوى أمامه جميع السياسات الحكومية في معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، وبذات القدر لم تقْوَ فلسفة السلطة في زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني ومغازلة شريحة المغتربين على إيقاف جريان هذا المارد الشيطاني الذي تتحكم فيه تلك الجماعات الإجرامية التي لا ترحم المواطنين.. ومن هنا نتساءل بأي منطق يكون مقبولاً تحريك سعر الدولار بسرعة الصاروخ من خلال اتصال تلفوني يرتكز على نسج الخيال الطامع من هؤلاء السماسرة! وأي هيبة حكومية تتقاصر أمام طوفان تلك الجماعات الشيطانية التي لا تعطف على المواطن المسكين المكدود.. وكم انهزمت أمامنا سياسة صناع السوق التي جاءت على أرائك التفاؤل والعشم أمام تلفونات الدولار الكاسح، وكم جاءت التشكيلات الوزارية الواحدة تلو الأخرى لمحاربة قهر الدولار، فإذا هو يفلت من كماشتها ويخرج لسانه على ظهرها.. فالواضح أن تلفونات الدولار تمثل كرباج العذاب للسودانيين جميعاً؛ حيث لا ترحم أحوالهم ولا تتعاطف مع أوضاعهم، بل تجعل الدموع تخرج من المآقي، والآهات ترتسم في الوجدان. وحين يتأثر المواطن المغبون بهبوط الغلاء الفاحش عليه والناتج من التلفون الدولاري الكاسح، حيث تجري على خده دموع الحرقة والكمد وهي دموع تعبر عن مشاعر طبيعية وضرورية تستوجب الشكوى.. والشكوى لغير الله مذلة.. لا شك أن التلفون الدولاري الكارثي الذي يحدث في الفترة النهارية أبطاله شخصيات معلومة من حيث التوصيف والمقاصد والأهداف في ظل تتفادى السلطات بإنزال العقوبات القانونية والفرمانات العدلية على هؤلاء، وبذات الإطار عندما تحدث العقوبة فإنها تتمثل في حبس المعاملة الخاصة التي لا توقف هواتفهم من الاتصالات المدمرة، بل يزداد أوارها في تلك الاستراحة المؤقتة، وإذا اشتدت النغمة الشعبية على أفعال بعضهم فلا بأس من قيام التسوية التي تسكت أجراس الغضب.
المعالجات الاقتصادية والبنكية والمالية هي عبارة عن مثلث أخفق في كبح جماح التلفون الدولاري وسدنته الباطشين وما يحمله من دهاء وطمع وقساوة على المجتمع.. فالشاهد أن هذا التلفون الأغبر قد شارك بفاعلية في تدمير الاقتصاد السوداني وضرب الحالة المعيشية للمواطنين ورسم عذابهم في مقتل، فإن قوته الماحقة ليست في ذبذبات الصوت الذي يصدره، بل تكمن في روحه!!.