تقرير: رشان أوشي
منذ حل حكومة رئيس الوزراء السابق، “معتز موسى” في الأسبوع الأخير من فبراير الماضي، وإعلان الرئيس “البشير” عن تشكيل حكومة كفاءات بعيداً عن الترضيات والمحاصصة السياسية، علا سقف التوقعات حول الحكومة الجديدة، المرتجأ منها حلولاً ناجزة وسريعة للأزمة الاقتصادية، خاصة تلك التي مست معاش الناس بصورة مباشرة، والاتنظار الطويل في صفوف الخبز والوقود والصرافات الآلية.
وبعد فك الارتباط بين حكام الولايات وحزب المؤتمر الوطني، بعد تسمية ولاة من المؤسسة العسكرية، طمح الشارع في حكومة تكنوقراط، تمضي في طريق حل الأزمة، وعشية إرسال الدعوة لمقار الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، لحضور المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء الجديد، “محمد طاهر أيلا”، للإعلان عن حكومته الموصوفة بحكومة الكفاءات، تعلقت الأنظار بمنصة القاعة الفخيمة بمجلس الوزراء، (الأربعاء) الماضي، انتظاراً لما ستسفر عنه الدقائق القادمة من تغيير سياسي كبير، بيد أن رئيس الوزراء “أيلا” فاجأ الحضور والمتابعين بإعلانه تشكيل “حكومة كفاءات” جديدة كما أطلق عليها، ضمت (21) وزيراً، تسعة منهم من الحكومة السابقة، وفي التشكيلة الحكومية الجديدة خفض عدد وزراء الدولة من (27) وزيراً إلى (18) فقط، لكنها لم تشهد إلا تغييراً طفيفاً في الوجوه، ومن بين الوزراء الذين شملهم التغيير وزراء النفط والمالية والداخلية، بينما احتفظ عدد من الوزراء بحقائبهم السابقة بينهم وزراء الخارجية، “الدرديري محمد أحمد” والعدل، “محمد أحمد سالم”، والنقل، “حاتم السر”، وأعلن رئيس الوزراء، أسماء (20) وزيراً اتحادياً و(18) وزير دولة، يمثلون حزب المؤتمر الوطني والقوى السياسية المتحالفة معه، فضلاً عن القوى المشاركة بموجب الحوار الوطني.
وفي مؤتمر صحفي عقد بمجلس الوزراء، قال “أيلا”: (إن أولويات الحكومة الجديدة حلحلة الضائقة الاقتصادية وتوفير الحياة الكريمة والاهتمام بمعاش الناس). وهو ذات النص الذي تلاه كل من رئيسي الوزراء السابقين، الفريق أول ركن “بكري حسن صالح”، و”معتز موسى”، وترجل كلاهما، دون أن تترجل صفوف الأزمة ثلاثية الأبعاد (الخبز والوقود والسيولة).
اعتذار وانتقاد:
وجهت انتقادات لاذعة لحكومة الكفاءات، اعتبرها مراقبون إعادة إنتاج الأزمة، ولا تتناسب مع شعارات خفض الإنفاق الحكومي بموجب سياسات التقشف، ومن ثم تردد أن شخصين على الأقل اعتذرا عن قبول المنصب الوزاري الذي رشحا له، رغم إعلان اسميهما ضمن تشكيلة الحكومة دون أن يقدما أسباباً لرفضهما، وهما الأكاديمي «بركات موسى الحواتي» الذي ظهر اسمه وزيراً لديوان الحُكم الاتحادي، وحسب الأخبار المتداولة أن أسرته ضغطت عليه بعدم قبول المنصب والاعتذار، ووزير الدولة بالخارجية الدبلوماسي “عمر بشير مانيس”، ولم يظهر “الحواتي” بين الذين أدوا اليمين الدستورية. وراجت شائعة حول اعتذار وزير الثقافة والسياحة والآثار “السموأل خلف الله قريش” باعتذاره بيد أنه تم نفي ذلك، وأفادت الأخبار بأن “السموأل” خارج الحدود في رحلة استشفاء، ولم يعتذر عن حقيبة الوزارة.
وأكد الرئيس “البشير” في خطابه الذي ألقاه خلال مراسم أداء القسم، أكد على أن هنالك خلطاً بين حكومة الكفاءات والتكنوقراط، وقال: (وزراء الحكومة جربناهم وكان أداؤهم مرضياً لنا). وأوضح “البشير” بعد أداء القسم لحكومة الكفاءات بالقصر الجمهوري، على أن قضية السلام ستكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة، قائلاً: (السلام قريب وينتظر أن تنعقد جولة مفاوضات جديدة بين الحكومة والحركات المسلحة خارج البلاد، أملاً في التوصل إلى تسوية سلمية تنهي حالة الاحتراب بالبلاد).
كفاءات أم تكنوقراط:
انتقدت القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني الحكومة الجديدة، واعتبرتها مزيداً من العبء والضغط على البلاد، وقال القيادي بحزب (حركة الإصلاح الآن)، د. “أسامة توفيق”: (نحن لا نعتقد أن هذا التشكيل الوزاري المعطوب قادر على معالجة أزمات البلاد، لأن أزمة البلاد سياسية وهذا التشكيل مبني على المحاصصة، لم ينفذ لمعالجة موضوع السلام، والذي يجب أن تكون له الأولوية حقناً للدماء ووفراً للميزانية والتي يوجه أغلبها للدفاع والأمن، تشكيل الحكومة مترهل ونفس الأشخاص مع تدويرهم فقط، وأضاف: (لا تشتمل على الكفاءات والتي وعدنا بها، نعتقد أنها استمرار لمسلسل الفشل وأنها ستقود البلاد إلى الهاوية ولا نعتقد أن عمرها سيكون طويلاً لأنها التفاف على جذور الأزمة دون النفاذ إلى أصل المشكلة).
وفي ذات السياق قال الخبير السياسي والإستراتيجي، ورئيس مفوضية الانتخابات السابق بروفيسور “مختار الأصم” في إفادته لـ(المجهر): (في التقييم العلمي الهادئ الدقيق لا يوجد ما يعرف بحكومة كفاءات،لا يفترض في الوزير التخصص فهو قائد سياسي، دوره أن يختار الخطة المناسبة من عدة بدائل يعدها طاقم الوزارة الفني برئاسة الوكيل الدائم، وذلك على ضوء الخطة العامة التي أعدها وأجازها رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء)، مضيفاً: (غير مطلوب التخصص من الوزير، بل المطلوب الوعي السياسي ومعرفة مطلوبات الناس والتي يعكسها ويناقشها مع مجلس الوزراء.
ثانيا هناك مسؤولية تضامنية في مجلس الوزراء يتحمل الوزير فيها مهما كانت مقدرته وكفاءته الشخصية يتحمل قصور وضعف أداء الوزراء الآخرين)، مشيراً إلى أن
هناك خلطاً بين الكفاءة والفاعلية، فقد يكون الوزير كفؤ بنفسه ولكنه غير فعَّال، فالفاعلية هي المقدرة على الوصول للهدف، أما الكفاءة فهي علاقة المدخلات بالمخرجات، وما يبحث عنه السودان لحل قضيته الاقتصادية والسياسة لا يوجد في حكومة كفاءات أو أية حكومة أخرى، مردفاً: (البلد تحتاج لتداول جريء حوار جاد مع الشباب الذين ينادون بتسقط بس، وللاعتراف بالأخطاء يحتاج لمحاسبة من أزهقوا أرواح المواطنين واعتدوا على الحرمات، يحتاج لإعلان من أفسدوا ومحاسبتهم بالقانون، إضافة إلى الحوار الجاد مع حملة السلاح ومعالجة مظالمهم مطلب ملح، كل هذا يلزم أن يتم دون أن تعرض البلاد لفراغ دستوري وإداري يعرض الوطن للفوضى والتشظي.