{ لو كنت المسؤول لطبعت القصة القادمة بماء الذهب وعلقتها في القصور الرئاسية على امتداد البلاد الإسلامية، حتى ينتبه قادتنا وسادتنا وكبراؤنا (عرب وأعجميون)، فيتركون الانقياد للغرب ويعودون للبحث عن العزة في إتباع دين العزة الذي جاءنا به سيد الأولين والآخرين.
{ والقصة الواقعية تقول: في العام خمسة عشر للهجرة طلب قادة الجيش الإسلامي من حاكم القدس ليسلمهم مفاتيح القدس، فأبى حاكمها البطريارك “صفرونيوس” أن يُسلم المفاتيح لأيّ من “عمرو بن العاص”، أو “شرحبيل بن حسنة”، أو “أبو عُبيدة عامر بن الجراح”، وقال لهم: (لقد قرأنا في كُتبنا أوصافاً لمن يتسلم مفاتيح مدينة القدس ولا نرى هذه الأوصاف في أي واحد من قادتكم)، عندها أرسلوا إلى الخليفة “عمر بن الخطاب” (رضي الله عنه) وطلبوا منه الحضور ليتسلم المفاتيح بنفسه ما داموا لا يُريدون القتال بل يُريدونَ السلم وتسليم المفاتيح (ولا نـُريدُ أن ندخلَ معهم في قتال حتى تأذن لنا).
{ فركب “عمر بن الخطاب” (رضي الله عنه) ومعه غلامه وكانا يتناوبان على الدابة بالركوب ويتركانها ترتاح مرة، وعندما قاربا على مشارف بلاد الشام وقريباً من القدس قابلتهم مخاضة من الطين.
فقال له أمين الأمة “أبو عُبيدة عامر بن الجراح”: (أتخوض الطينَ بقدميك يا أمير المؤمنين وتلبس هذه المُرقعة وهؤلاء القوم قياصرة وملوك ويُحبون المظاهر فهلا غيرت ثيابك وغسلت قدميك؟ وهذا مقام عزة وتشريف للمسلمين بتسلم مفاتيح القدس).
{ فجاءه الرد حاسماً من “الفاروق”: (لقد كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، والله لو قالها أحدٌ غيركَ يا أبا عُبيدة لعلوت رأسهِ بهذه الدِّرة)، وركب “عمر” وسار الغلام، ثم تناوب معه حتى قال أمراء الجند، نتمنى أن تكون نوبة أمير المؤمنين “عمر” على الدابة حينَ يدخل على حاكم القدس ونخشى أن تكون نوبة الغلام فحدث ما كانوا يحذرون (دخل الغلام راكباً وأمير المؤمنين ماشياً على قدميه)، ولما وصلوا نظر “صفرونيوس” إلى “عمر” وثوبه وهو يقودُ الدابة لغلامه فسلمهُ مفاتيح القدس. وقال له: (أنتَ الذي قرأنا أوصافه في كتبنا يدخلُ ماشياً وغلامهُ راكباً وفي ثوبه سبع عشرة رقعة). وعندما تسلم الفاروق “عمر” مفاتيح القدس خرَّ ساجداً لله وقضى ليلتهُ يبكي وما جفت دموعه ولما سُئلَ عن سبب بكائه، قال: (أبكي لأنني أخشى أن تـُفتحَ عليكم الدنيا فينكر بعضكم بعضاً، وعندها يُنكركم أهل السماء).
} وضوح أخير
{ يبدو واضحاً، ما كان يحذره ويخشاه الصحابي الجليل الفاروق “عمر بن الخطاب” أن يقع في ذلك الزمان قد حدث في زماننا هذا، ابتغينا العزة بغيره فأذلنا الله، وكل الشواهد تؤكد أن الدنيا فتـُحَت علينا فاختلفنا وتفرقنا، وظلت المصائب تنزل من كل الاتجاهات على بلاد الإسلام عندما انقاد قادتنا بسياسات الغرب وانشغل المسلمون بملاهي آخر الزمان متجاهلين دين العزة، فتحولنا إلى أذلة، بل صرنا (ملطشة) في أيدي الكفرة الفجرة!!
{ اللهم أعز الإسلام في زماننا هذا، كما عززته في ذاك الزمان الأول بالفاروق “عمر بن الخطاب”.