الخرطوم ـ المهدي عبد الباري
انتهت محاكمة مدير عام هيئة مياه الخرطوم الأسبق، ومدير شركة الرازي المملوكة لرجل الأعمال “فضل محمد خير” بالتوصل إلى تسوية مليارية في القضية التي اشتهرت إعلامياً بقضية مياه ولاية الخرطوم.
مرت (8) أعوام على توقيع عقد استيراد مادة تنقية مياه الخرطوم بين هيئة مياه الخرطوم، وشركة الرازي للخدمات الهندسية المحدودة، تم توقيع هذا العقد عندما الغي عطاء طرحته الهيئة في عام 2010م بذات الغرض بعد أن رفضت شركة البطريق التي رسى عليها العطاء استيراد المادة لصالح الهيئة، بسبب ديون طالبت بسدادها قبل تنفيذه .
كان اتفاق العقد بين الهيئة والشركة توريد (5) آلاف طن من مادة البولي المونيوم كلورايد لتنقية مياه الشرب بولاية الخرطوم، وردت شركة الرازي (المتهمة الثانية) (2400) طن من دولة الصين، رحلتها من ميناء بورتسودان إلى مخازن هيئة المياه بالولاية، اتضح فيما بعد أن المادة غير مطابقة للمواصفات والمقاييس، وتنقصها بعض المستندات المهمة، من المنشأ والمساح الدولي.
شركة الرازي تطرح تسوية مليارية
طرحت شركة الرازي المتهمة الثانية في البلاغ الذي تواجه فيه الاتهام مع مدير عام هيئة مياه الخرطوم الأسبق بخيانة الأمانة وتحقيق المنفعة الشخصية وتوريد مادة تنقية غير صالحة للاستخدام، طرحت تسوية لطي ملف القضية، وتقدم “عادل عبد الغني” ممثل دفاع الشاكية هيئة مياه الخرطوم، أمام محكمة جرائم الفساد برئاسة القاضي “فهمي عبد الله مالك” أمس، بتفويض من الشركة المتهمة بالسماح له بالتفاوض مع نيابة الأموال العامة وممثل الحق الخاص للتوصل إلى تسوية حول سحب المادة خلال شهرين ودفع تكاليف الترحيل وفترة التخزين.
شروط التسوية
قال “عادل” إنهم توصلوا إلى تسوية مع ممثلي الاتهام ونيابة الأموال العامة، وفقاً لشروط وافق عليها كل الأطراف وهي: أن تدفع الشركة المتهمة الثانية مبلغ (881) ألف جنيه تكاليف الترحيل والتخليص الجمركي إلى الشاكية (الهيئة)، معلناً موافقتهم بدفع المبلغ المسدد ككفالة إلى الشاكية، ثانياً أن تدفع الشركة مبلغ (2) مليون جنيه مقابل فترة التخزين (8) سنوات، إلا الآن باعتبار الإيجار لمخازن الهيئة، وإن تلتزم بسحب المادة من مخازن الهيئة تحت إشراف النيابة، حرصا على سلامة العاملين في مدة شهرين من تاريخ اليوم، ومعالجة الضرر الذي سببه تخزينها بمباني الهيئة، بالإضافة التزام الشركة بعدم استخدامها في أية شيء يتعلق بمياه الشرب أو التغذية، ويمكن لها أن تستخدمها في أغراض المنتجات البترولية والدباغة وغيرها، كل ذلك مقابل أن تتنازل النيابة عن الحق الخاص والسير في الحق العام وافقت على التسوية أمام المحكمة نيابة الأموال العام ممثلة في المستشار “أبو قراط عبد الله” ومستشار الشاكية، وبناءً عليه قررت المحكمة شطب الدعوى الجنائية في الحق العام وفقا لما جاء في شروط التسوية ملزمة الطرفين بالتنفيذ لها، وحددت المحكمة جلستين الأولى لإيداع المرافعات وأخرى للقرار.
إشارة إلى رفض مسبق
رفض في وقت سابق صاحب شركة الرازي، سحب المادة موضوع البلاغ من هيئة مياه ولاية الخرطوم، بعد أن طالبته نيابة الأموال العامة بذلك، وقرر سحبها بموجب تسوية مليارية، بلغت كمية المادة التي قررت المحكمة بسحبها وفقا للتسوية (2400) طن من مادة البولي المونيوم كلورايد المخزنة بمباني هيئة مياه ولاية الخرطوم، وأنه بتاريخ (16.8.2016) خاطبت نيابة المال العام الهيئة القومية للمواصفات والمقاييس، لفحص مادة البولي المونيوم كلورايد موضوع البلاغ، وجاءت إفادة المواصفات والمقاييس بأن المادة ليست من ضمن مواد تنقية مياه الشرب.
هيئة المياه ترفض الاستلام
رفضت هيئة مياه الخرطوم استلام المادة، ممثلة في (المتهم الأول) باعتبارها غير مطابقة للمواصفات وتسبب أضراراً صحية ومرض السرطان، وأمرت بعدم استخدامها نهائيا لحين التأكد من صلاحيتها وفقاً لتقارير المعامل الجنائية الخارجية والداخلية.
جاءت التقارير الصحية أن مادة الباك الموردة بواسطة شركة الرازي بغرض تنقية مياه الولاية غير صالحة للاستخدام وتضر بالصحة الإنسانية، وبعد التأكد دون بلاغاً في عام 2013م، في مواجهة مدير عام الهيئة الأسبق ومدير شركة الرازي، بخيانة الأمانة وتبديد المال العام، استمرت الدعوى (6) أعوام أمام القضاة إلى أن وصلت محكمة جرائم الفساد مؤخراً، خلصت القضية بالتوصل إلى تسوية بين الشركة المتهمة الثانية، مع نيابة الأموال العامة وممثل الحق الخاص في الاتهام بدفع مبلغ تكلفة الترحيل والتخرين قدر بـ(2) مليون و(881) ألف جنيه إلى الجهة الشاكية مقابل التنازل عن القضية السير في الحق العام.
اختلاف في تقارير المعامل الجنائية
استدعى التأكد من صلاحية مادة البولي الكونيوم كلورايد التي وردتها شركة الرازي المتهمة الثانية في الدعوى إرسالها إلى عدد من المعامل الداخلية (معمل وزارة النفط، معامل جامعة الخرطوم) والخارجية (السعودية، مصر)، بعض هذه المعامل كشفت في تقاريرها قدمتها النيابة في الاتهام أن المادة غير مطابقة للمواصفات والمقاييس وتحتوي على شوائب وتسبب أضراراً صحية لإنسان الولاية، حسب إفادات تقارير معملية صادرة من جامعة الخرطوم. واستجوبت المحكمة الدكاترة والخبراء الذين أعدوا هذه التقارير وأفادوا أن المادة صالحة صحياً ولا تسبب أي أضرار صحية ومطابقة للمواصفات، مشيرين إلى خطأ في شروط العقد المبرم بغرض استيراد المادة.
“الخضر” ووزراء حكومته الأسبقين
مثل والي ولاية الخرطوم الأسبق، وعدد من وزراء حكومته أمام محكمة الموضوع كشهود دفاع حول الاجتماع الذي عقده “عبد الرحمن الخضر” بمكتبه، بغرض إدخال المادة أو إرجاعها بعد رفض مدير عام الهيئة المتهم الأول استلامها لأنها غير صالحة للمواصفات، أبان وزراء ومسؤولون من حكومة “الخضر” في أقوالهم للمحكمة أن “الخضر” أمر بإدخال المادة ومخاطبة المعامل الجنائية لفحصها في حالة اتضح أنها مخالفة للمواصفات تقوم الشركة الموردة بسحبها ودفع مبالغ الترحيل، والعكس في حالة ثبت أنها صالحة ومطابقة للمواصفات، فيما اقر “الخضر” نفسه عند مثوله أمام المحكمة التي حذرته عدة مرات بسبب الغياب، وقال إن جلب المادة كانت مسؤولية الولاية كلها، ولكنه وجه بإدخالها مباني الهيئة بعد التداول في الاجتماع وفقاً لشروط ذكرها وزراء حكومته كشهود دفاع.
توضيح من المراجع العام
في وقت استمعت المحكمة مسبقاً إلى أقوال المراجع العام في مرحلة الاتهام والذي أوضح أنه توصل إلى مخالفة في قواعد التعاقد والشراء والعقد الموقع بين الهيئة والشركة، وأنه وجد أن المادة المخزنة عبارة عن بدرة غير مطابقة للمواصفات والمقاييس، وأن المبالغ التي تم دفعها للتخليص الجمركي تعتبر تبديداً للمال العام، بالإضافة إلى مخالفة قانون الشراء والتعاقد، وأن المتهم الثاني مدير الشركة تقدم بموجب عرض دون اتباع قواعد الشراء والتعاقد واستورد مادة غير مطابقة للمواصفات والمقاييس لصالح هيئة المياه الخرطوم.
أصل الدعوى الجنائية
وبحسب الاتهام فإن مدير هيئة مياه ولاية الخرطوم، قام بشراء مادة غير مطابقة للمواصفات، بغرض استخدامها في معالجة مياه الشرب، مما يضعه وصاحب شركة الرازي تحت طائلة مخالفة قانون الشراء والتعاقد وخيانة الأمانة ومخالفة قانون المواصفات والمقاييس، بجانب بيع مواد مضرة بالصحة ليتضح بعد فحص المادة بأنها ضارة بالصحة ليتم الحجز عليها.