بعد انفضاض الندوة الأسبوعية لمنتدى “ميرغني حمزة”، التي نأمل أن تكون في المستوى المطلوب لدى الحضور، فاجأني عميد الأسرة الميرغنية والمسمى عليه “ميرغني حمزة كمال ميرغني حمزة”، بطلب يرجو فيه مني التحدث عن جده “ميرغني حمزة”، فصادف ذلك هوى في نفسي، لأنني بصدد الكتابة عنه وما زلت في الطور الأول لجمع المعلومات، كما زاد ذلك في رهبتي، فالإقدام على الكتابة عن شخص ذائع الصيت مثل الراحل المقيم، والتوثيق له يتطلب الإحاطة والصدق والشفافية، فالرجل عمي وزوج عمتي ومع الفارق الكبير في العمر، إلا أننا نعيش في حي واحد يضم حوالي (30) أسرة من قبيلة واحدة وهي ظاهرة قل أن توجد في العاصمة الجديدة، وفي أم درمان نفسها، بعد أن كادت التركيبة العنصرية لأم درمان، وغيرها أن تتغير وتتلاشى.
وبعد فالكتاب الذي أنوي إصداره في المستقبل القريب إن أمدّ الله في العمر، (كنت أتمنى أن أشرع فيه قبل أن يزيد عمري عن عمر المكتوب عنه بسنوات، ويشهد بذلك الابن النجيب طارق حمزة ميرغني)، لكن الظروف لم تواتِ وقد قررت تسميته “ميرغني حمزة” المهندس الأول، لأن المرحوم كان من الرعيل الأول الذي تخرج في كلية “غردون” التذكارية، والأول لأنه مهنياً كان الأول في الترقي لوظيفة (نائب المدير) إبان الحكم الثنائي، لذلك فمعظم ما يرد في هذا الحديث العابر هو مجرد سياحة يعيبها التاريخ الحقيقي للأحداث، كتاريخ الميلاد وتاريخ التخرج وتاريخ الدخول في الخدمة بوزارة الأشغال وتاريخ التقاعد من وزارة الأشغال التي كانت في عهده قبلة للمهندسين لدرجة أنك لا تعلم من هو الأب الشرعي للآخر، هل كلية الهندسة بجامعة الخرطوم، هي الأب الشرعي لوزارة الأشغال، أم وزارة الأشغال هي الأب الشرعي لكلية الهندسة بجامعة الخرطوم.
شاءت الصدف العجيبة أن تقودني الظروف وأنا موظف بقلم المستخدمين بوزارة الأشغال، للعمل رئيساً لهذا القسم بشركة النيل للأسمنت، بدعوة من المرحوم “عربي عبد الباسط” من كبار الإداريين العارفين الذي كان يشغل أمانة الشركة العامة، وموافقة مديرها العام، العم “ميرغني حمزة”، كما تم استقطاب المهندس “مجذوب أبو النجا” مديراً للمصنع في تلك المرحلة التي كان المصنع يعاني فيها أزمة أو مشكلة في المحاجر، مما اضطرهما هو والعم “ميرغني” للسفر ليوغسلافيا لمناقشة ذلك الأمر الجلل مع مدير شركة إنغرا (المتعاقدة بقيام مصنع ربك للأسمنت)، وعند عودتهما التقيت به فبادرني بالسؤال عن ماذا يريد العم “ميرغني”؟.. فقلت له ماذا حدث؟.. فرد قائلاً عند وصولنا “بلغراد”، وأخذ قسط من الراحة، قمنا بالتجوال طوال اليوم بتلك المدينة الجميلة، وفي صباح اليوم التالي، طلب العم “ميرغني” تزويده بـ(سبورة وطباشير)، ثم دعا مدير شركة إنغرا العضو البارز في الحزب الشيوعي اليوغسلافي، للتفاوض لحلحلة الأزمة الماثلة بالمصنع، وقد كان يحسب أنه جاء لزيارة خاطفة، فظل في ذلك الاجتماع من العاشرة صباحاً وحتى الرابعة مساءً بين السندان والمطرقة، ثم أَخطرنا من بعد أن الرجل قد غادر البلد في رحلة مجهولة الأمد!!
ولعله من مآثر مؤسس شركة النيل للأسمنت، أنه لم يسعَ لامتلاكها وهو صاحب الفكرة والمخطط الأول لقيامها، بل جعلها شركة مساهمة عامة تمتلكها مجموعة من المواطنين هم حملة الأسهم حينما كانت الحاجة للنهضة العمرانية بالبلاد ملحة وعاجلة، في حين كان بالإمكان ومن الميسور جداً قيامها ضمن القطاع الخاص عن طريق القروض والإعانات والمنح من القطاع المصرفي والجهات الأخرى المعروفة لديه، والمعروف لديها وهو حينئذ علم في رأسه نار كما يقولون، وللإعلام المؤسسي عن هذه الشركة، بذل المرحوم “ميرغني حمزة” جهداً خارقاً بالطواف على الكثير من مدن وعواصم المديريات المختلفة، ولا أنسى المحاضرة القيمة التي عقدها في نادي الخريجين بمدينة الأبيض – وطننا الثاني – التي صفق فيها الحضور تصفيقاً داوياً وهتفوا باسمه والتفوا من حوله، مهنئين، مهللين ومكبرين.