حوارات

بروفيسور “الطيب زين العابدين” يقدم تحليلاً للمشهد السياسي في حوار مع (المجهر السياسي) :( 2 من 2)

*منذ البداية الحركة الإسلامية جعلوها (ميتة) وليست مسؤولة عما حدث ويحدث

* الجيش يمكن أن يضمن وضعاً سلمياً وآمناً ويحقق التغيير دون حدوث فوضى وتخريب ونزاع مسلح
* قبلت إبعاد الترابي لي من الحركة الإسلامية في 1990 وقلت لهم ما محتاج لمصحفكم !
* هذا نموذج لعرض سياسي يمكن أن يقدمه المؤتمر الوطني لهؤلاء الشباب
* “علي عثمان” ( قلع السلطة براهو لرقبتو والناس أدوهم مصاحف !
حوار : سوسن يس
أبرز ما يميز المشهد السياسي الراهن الاحتجاجات الشعبية التي انفجرت في التاسع عشر من ديسمبر الماضي واستمرت بذات وتيرة تفجرها حتى الآن .. من يقف خلف هذه الاحتجاجات، و ما هي الجهة المنظمة لها، و ما سر استمرارها بذات القوة والحدة التي تفجرت بها ؟ ما أهم ما يميزها وإلى أي مدى تعبر عن الشارع السوداني وما أسباب تفجرها وهل تمتلك الحكومة الإمكانية لاحتوائها أو التعامل معها .. من هو تجمع المهنيين السودانيين الذي أعلن عن تنظيمه لهذه الاحتجاجات، وكيف يقرأ المحلل السياسي البروفيسور “الطيب زين العابدين” مشهد هذا الحراك بشكل عام .. هذه التساؤلات وغيرها وضعناها على طاولة الحوار مع بروف “الطيب” فكيف رد عليها و ماذا قال .. ؟
إلى مضابط الحوار :

# كيف أُخرجت من الحركة الإسلامية ؟
— الشيخ “الترابي” ،عليه رحمة الله ، عمل دعوة عشاء في سبتمبر 1990 للذين كانوا في الحركة الإسلامية في الخمسينات وكنت منهم ، ووصلتني الدعوة و لكني لم أذهب ، لم أكن مشغولاً ولكني تعمدت ألا أذهب ، و بعد الاجتماع عرفت أن ما حدث في الاجتماع هو أن “الترابي” قال لهم أنتم الذين دخلتم الحركة الإسلامية منذ الخمسينات أديتم دوركم ، والحمد لله الآن نحن استلمنا السلطة وبالتالي أنتم أديتم ما عليكم وكتر خيركم ، و بعد دا يجئ جيل جديد منا ومنكم يستلم السلطة ) ، فرفع “علي عثمان يده” ، بمعنى أن يسلمه “الترابي” السلطة ، وبالفعل أعطاه “الترابي” السلطة إلى أن مات .. المهم ( السلطة قلعها “علي عثمان” براهو لرقبته وأدوا كل زول مصحف ) ..
الشخص الذي أوصل لي هذه الرسالة وهو قريبي ، قلت له بعدما سمعت منه هذا الكلام ( خلاص يا شيخ “إبراهيم” ، أنا قبلت إبعاد “الترابي” لي و حألقى لي مصحف إن شاء الله ، ما محتاج لمصحفكم ) .. و منذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة انقطعت عن الحركة الإسلامية ولم أشترك في أي عمل له صلة بالتنظيم لا من بعيد ولا من قريب و بالتالي أنا لست مسؤولاً عن هذا العبث الذي يفعله هؤلاء الناس .
# قبل أن نعود إلى الراهن السياسي ومتابعة قراءة مشهد هذا الحراك الذي انتظم الشارع الآن ، كيف قرأت تصرف “الترابي” ذاك حينها وكيف فسرته ؟
— لدي تفسير لهذه القصة ، “الترابي” عنده توجهان معروفان عنه أحدهما أنه يسعى لتكبير و توسيع قاعدة الحركة الإسلامية ، وهو يرى أن هذه القاعدة الصفوية (كلهم خريجو جامعات و ثانوي ) لا تستطيع أن تحكم السودان .. وبالتالي ( لازم يكبر القاعدة و يمرق الناس القديمين ديل و يفتحوا الحركة الإسلامية دي لكل المواطنين) .. و في البداية فعلوا ذلك عملوا نظام المؤتمرات وأقاموا مؤتمراً في كل حي وفي كل مدينة واستمروا سنتين و فشلوا فشلاً ذريعاً ، الحي الذي به أربعة آلاف مواطن عندما يوجهون الدعوات للناس كان يأتي للمؤتمر خمسة أشخاص فقط والخمسة هم ناس الحركة نفسهم ! وبالتالي المسألة فشلت فغيروها إلى التوالي السياسي ، فبعدما عملوا دستور 98 عملوا التوالي السياسي للأحزاب التي تقبل بالدستور وتقبل بحكم الإسلاميين وبتطبيق الشريعة وقالوا الذين يقبلون بذلك سنسمح لهم بتكوين أحزاب .. فتكونت ستة أو سبعة أحزاب وبعد ذلك عندما جاء “مبارك الفاضل” في 2002 وعمل انشقاقاً في حزب الأمة لم يقبل بشروطهم هذه وقال لهم ( نحن ما بنقبل كلامكم دا توالي و ما توالي نحن عايزين تسجيل عديل نحن حزب قومي وأقدم منكم ) وقبلوا بذلك لأنهم يريدون أن يشقوا حزب الأمة .. ثم بعد ذلك جاء الاتحادي الديمقراطي بنفس الطريقة وبعد ذلك جاءت اتفاقية “قرنق” في 2005 واشترطت التعددية السياسية وحقوق الإنسان وبالتالي أصبحت القصة مفتوحة، لكن السلطة كلها كانت في يد الحركة الإسلامية و في يد العساكر الذين يمثلهم الرئيس “البشير” . لكن الحركة الإسلامية منذ البداية جعلوها ( حركة ميتة ) ما مسجلة تسجيل قانوني ولا عندها أي دور ولا تقوم بنشاط فكري ولا دعوي ولا نشاط تربوي والنشاط السياسي أخذوه منها وأعطوه للمؤتمر الوطني .
# بروف “الطيب”، الآن الأوضاع متأزمة والمشهد يبدو قاتماً .. فما مدى مسؤولية الحركة الإسلامية عن هذا المشهد ؟
— أنا أفتكر هي لم يكن لها دور منذ أن جاءت الإنقاذ إلى يومنا هذا .
# هل هي مهمشة ؟
— هي مهمشة لكن ( هي قبلانة بهذا التهميش ) .
# أو ربما اختطفت منها السلطة ؟
— ما اختطفوها منها ! ( أعطتها براااها ) – قالها هكذا بمد الألف ثم كرر : ( أدتها براااها ما اختطفوها منها وهناك أشخاص منها كانوا في السلطة .. و”الزبير محمد الحسن” الذي يرأس الحركة الإسلامية الآن كان وزيراً للمالية و كان وزيراً للنفط ، ( اختطفوها منها شنو .. ما اختطفوها وأغلب هؤلاء الشغالين في الدولة هم من الإسلاميين)، لكن إسلاميين كأفراد وهناك فرق طبعاً بين أن تكون موجوداً في السلطة كفرد أو كمؤسسة .
— ( وعشان أتم ليك القصة وأوريك أن الحركة الإسلامية المهمشة هذه نفسها كانت مزعجة بالنسبة لهم وما كانوا عايزنها) .. قبل نحو عام أو أكثر من العام قليلاً ، جمعوا الناس الكبارات الذين في الحكومة ناس “علي عثمان” و”نافع” وقالوا لهم ( يا أخوانا امشوا اقنعوا أخوانكم ناس الحركة الإسلامية ديل ، إما أن ينضموا للمؤتمر الوطني ، أو يصبحوا منظمة طوعية تعمل في المجالات المختلفة ، أو يقبلوا بالوضع الموجود الآن ) .. فالجماعة طافوا على كل الولايات والنتيجة كانت أن كل الولايات ما عدا كسلا ، وربما ولاية أخرى ، قالت نقبل بهذا الوضع كما هو ، لا نندمج مع المؤتمر الوطني ولا نصبح جمعية طوعية ، نحن حركة إسلامية لها ثقافة معينة وتوجهات معينة ولا يمكن أن نذوب في الوطني ولا يمكن أن نصبح جمعية طوعية . أنا عندما سمعت بهذا الكلام قلت لهم ( يندمجوا في الوطني كيف إذا كان دستور الحركة الإسلامية ينص على أن كل عضو في الحركة لازم يكون في المؤتمر الوطني !! ) وهذا الدستور ينص أيضاً على أن الحركة الإسلامية تعبر في الجانب السياسي عن طريق المؤتمر الوطني ! يعني هي لا تملك أي شخصية مستقلة لتمارس من خلالها العمل السياسي ، تمارسه فقط عبر المؤتمر الوطني .. ثالثاً بالدستور أنشأوا لجنة فوقية اسمها اللجنة العليا ، هذه اللجنة العليا تتكون من خمس أو ست شخصيات غير منتخبين من الحركة الإسلامية ، رئيس اللجنة هو الرئيس ونائب رئيس اللجنة هو “بكري حسن صالح” وفيها رئيس البرلمان ورئيس المكتب السياسي بالمؤتمر الوطني .. هذه هي اللجنة العليا للحركة الإسلامية ! التي يمكن أن تدعو الحركة الإسلامية لاجتماع أو لا تدعوها ، وفي مرة من المرات أخروا اجتماع مجلس الشورى سنة كاملة ! وبالتالي هذه الحركة لم يكن لها دور وهي مهمشة منذ أن قامت الإنقاذ وبالتالي شيء طبيعي أن تلزم بيتها ( وأصلا قالوا لها أنت ما تعملي عمل سياسي ) ..و الآن هي ( ساااااكتة قاعدة ) .
# قاعدة مسكينة و مستكينة .. ؟
— مستكينة جداً جداً .. و الآن سمعت أن هناك تحركا بدأ بينهم .
والمؤتمر الشعبي الآن يواجه أزمة عميقة جداً ، فالمعلم الذي قتلوه بطريقة بشعة هذا هو من المؤتمر الشعبي .
وبالنسبة للمظاهرات التي في الشوارع الآن هم كحركة إسلامية ( خجلانين لأنهم عارفين أداء السلطة وعارفين فسادها و فشلها ، فهم يعيشون في البلد وعارفين الغلاء الطاحن فهم خجلانين .. يطلعوا يواجهوا الناس كيف ؟ الناس ممكن يضربوهم في الشارع .. فهل لو هم مرقوا والأولاد ديل صادفوهم في الشارع حيرفعوا ليهم سلام تعظيم ؟؟ ) .
# في تقديرك ما هي السيناريوهات الممكنة والمتاحة الآن للخروج من الأزمة ؟
– أنا أرى أن المحددات التي ينبغي أن توضع ويتم على أساسها وضع أي سيناريو يجب أن تضمن عدم دخول السودانيين في فوضى وفي مصادمات مع بعضهم البعض ، بمعنى أن يكون السيناريو سلمياً و آمناً ويحقق تغييراً لا يؤدي إلى فوضى وتخريب ولا يؤدي إلى نزاعات مسلحة .. والجهة التي تضمن ذلك هي الجيش السوداني ، والجيش السوداني في الفترة السابقة قام بإصدار بيانين يدعم فيهما قيادته وأنا أرى أن الجيش السوداني أخطأ الحسابات بهذا الفعل لأنه بهذا الدور جعل من نفسه طرفاً في النزاع و لم يعد حكماً .. فعلى الجيش أن يراجع هذه المسألة بسرعة .. لأنه من المعروف أن هذا الموقف اتخذته القيادة العليا للجيش التي هي هيئة الأركان .. وهيئة الأركان اختارها وعينها الرئيس فالقرار لم يصدر عن ضباط القوات المسلحة كلهم ولم ينادوهم ويقولوا لهم اتخذوا القرار .
السيناريو الآخر هو أن تسقط الجماهير النظام غصباً عن أي جهة أخرى، وفي هذه الحالة القصة ستكون مفتوحة للفوضى وللاضطراب، والجيش سيكون مسؤولاً عن هذا والمؤتمر الوطني سيكون مسؤولاً لأن توجهات هذا الشعب واضحة .
فالمؤتمر الوطني وهو الجهة السياسية كان عليه أن يعمل سيناريو سياسي يكون مقبولاً لهؤلاء الشباب وهؤلاء الشباب يريدون أن يزول النظام كله ، فعلى الوطني أن يقدم لهم عرضاً سياسياً ( ما تقول عايز أحاور ! )
وأعطيك نموذجاً لعرض سياسي يمكن أن يقدمه المؤتمر الوطني : أولاً نعيد قانون الانتخابات ليصبح بالتوافق السياسي ، نعيد تكوين مفوضية الانتخابات ، ونعمل حكومة انتقالية لتشرف هي على الانتخابات .
# هناك مبادرات عديدة طرحتها جهات عديدة هل يمكن أن تقدم هذه المبادرات حلولاً عملية ؟
— هناك عدة مبادرات وهناك بعض الأجسام تتكون الآن ، مجموعة الـ (52 )عندها مبادرة نداء السودان عندهم مبادرة وأساتذة جامعة الخرطوم كأساتذة عندهم مبادرة . أيضاً جامعة الخرطوم كإدارة لها مبادرة و الإسلاميون عندهم هيئة اسمها التنسيقية الوطنية للتغيير والبناء وهي تطرح مبادرة وهناك مبادرات أخرى عديدة وهناك الآن جهات تحاول أن تنسق بين هذه المبادرات وكل هذه المبادرات متفقة على أن يزول هذا النظام وبالتالي التنسيق بينها ممكن ولن يكون صعباً ونحن نأمل أن تتجمع كل هذه المبادرات وأن يحدث تنسيق في ما بينها وأن يكون لها دور وتتمخض كلها عن مبادرة واضحة موزونة . والناس يتقبلون جامعة الخرطوم كحكم وكمنسق بين هذه المبادرات ويجب أن يكون هذا هو الدور الذي تقوم به ، واللجنة التي كونها مدير الجامعة تريد أن تقوم بهذا العمل .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية