عز الكلام

في لقاء الرئيس بأهل الإعلام

أم وضاح

رغم أن الدعوة تعدتنا أو بالدارجي (فطتنا)، لحضور لقاء الأخ رئيس الجمهورية بقبيلة الصحفيين، إلا أن البطن ما فيها مغسة وليست في القلب حسرة، لأن الأساتذة من رؤساء التحرير والزملاء الأكارم الذين حضروا اللقاء، كفوا ووفوا وتحدثوا حديثاً شجاعاً وقوياً، ونقلوا نبض الشارع بكل أمانة وصدق، رغم أن مهمتهم كانت صعبة ومزدوجة، لأن تلبيتهم للدعوة في حد ذاتها سلاح ذو حدين، والمحتجين والثوار يرتفع سقفهم
في انتظار ما سيقوله أهل الإعلام في لقاء كهذا ليثبتوا للشارع أنهم ليسوا على حياد أو أنهم غير موالين للسلطة، يرتفع السقف عندهم منتظرين أن يهتف أهل الإعلام في وجه الرئيس بشعارهم المفضل تسقط بس، ومن جانب آخر إن لم يلبوا الدعوة أو تكاسلوا عنها سيضعهم في موقف التحدي والعداء غير المبرر لصاحب الدعوة، وهو موقف برأيي بعيد عن المهنية وغير منطقي ولا يجوز والصحفي يفترض أن يكون حاضراً في أي زمان ومكان باحثاً عن الحق والحقيقة، وفي ذلك رسم المشهد تماماً الأخ “أشرف عبد العزيز” رئيس تحرير الجريدة، وهي أكثر الصحف تضرراً من الرقابة، وتمت مصادرتها أكثر من مرة، فقد أجرى استفتاء مع محرريه حول تلبية الدعوة، وكان رأي الكثيرين منهم ألا يلبيها، لكنه فعل العكس وحضر انتصاراً للمهنية وشرف المهنة الذي يدفعه لذلك، لكن كمان خلوني أقول إن لقاء الرئيس بالصحفيين كان لقاءً فيه الكثير من المصارحة والمكاشفة والجسارة من جانب الضيوف، وفيه كثير من سعة الصدر من جانب المضيف، وهو ما كان ينبغي أن يحدث تجاه المتظاهرين والمحتجين الذين رفعوا شعار سلمية، لكنهم للأسف ووجهوا بعنف غير مبرر، فيه كثير من الصلف والاستبداد والقسوة، فقدنا على إثره شباباً زي الورد، نحتسبهم شهداء عند الله سبحانه وتعالى، هؤلاء وحدهم ينبغي أن يكونوا شغل الرئيس الشاغل ليوجه الأجهزة العدلية والأمنية بالوصول إلى من قتلهم وتطبيق العدالة فيهم أياً كانوا (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ…)، وهذه الأجواء لن تكتمل وتصبح نظيفة ما لم يشعر المواطن أنه يعيش في بلده آمناً مطمئناً بعيداً عن الجو المكهرب لمشاهد العربات المدرعة والمدافع الموجهة والرصاص المتأهب للانطلاق، وفي ذلك نجح الحضور في نقل المشهد العام للرئيس والتاتشرات التي تملأ الشوارع والأزقة ليس لها ما يبرر وجودها وقد أضحت مصدر قلق للأمهات ورجل الشارع العادي، وهو مشهد قاتم وأسود يلغي بظلال غير طبيعية وغير معتادة للإنسان السوداني الذي تعود على أن لا تقيد حركته وحريته بهذا الشكل الصريح المستفز، ثم تحدث آخرون عن الصحافة ودورها وما تواجهه من قيود قصد بها تقزيمها وإضعاف دورها حتى وقع النظام في شرك الوسائط التي تعجن وتخبز من غير حسيب ولا رقيب ولا مرجعية، لكن الذي كنت أتمنى أن يذكره الحضور للرئيس أن الشارع السوداني الآن، أصبح كوكتيل من البزات العسكرية، تداخلت الاختصاص فيه بشكل مزعج والمواطن معرض للمساءلة والإهانة في أي لحظة أو حتى للاعتقال من غير أن يكون هناك سند قانوني ولا دستوري، وخلوني أقول إن واحدة من الرسائل المهمة التي كان يجب أن تصل الأخ الرئيس عبر بريد الزملاء الأعزاء، أن الاحتقان في الشارع لن يبرد طالما نزيف الدم لا زال ساخناً والجريمة مسجلة ومقيدة ضد مجهول، والرسالة الأخرى المهمة أن المواطن السوداني في حالة فقدان للأمل بسبب فشل السياسات الاقتصادية الأخيرة وهو ما يتلمسه في معاشه اليومي وما يشعر به من غلاء فاحش فوق طاقته وإمكاناته مما يستلزم قرارات حقيقية وجراحات عميقة تعيد العافية لجسد الاقتصاد.
في كل الأحوال اللقاء في حد ذاته خطوة مهمة في طريق رفع سقف الحريات، لأنه جاء من غير (اسكريبت) مسبق أو اتفاق على نوعية الأسئلة، بل كان مفتوحاً من غير قيود أحسب أنه أوصل كثيراً من الحقائق والمعلومات المغبّشة على الرئيس، لأنها أي الحقائق، غالباً ما تمر بفلترة أو ميكاب، وهذه هي الكارثة التي تفصل القادة عن شعوبهم، والرؤساء عن العامة ونبض الشارع.
}كلمة عزيزة
واضح أن رسالة الاحتجاجات قد وصلت تماماً للحكومة، لكن الوصول وحده ليس كافياً ولا حلاً، الحل في الاستجابة لمطالب الشارع السوداني العادلة والعاجلة والممكنة على الأقل في الوقت الراهن.
}كلمة أعز
اللهم أحفظ بلادنا من الفتن واجمع أهلها على كلمة سواء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية