نبارك للشباب ثورتهم التي أنابوا بها عن السواد الأعظم من الشارع بل البيوت السودانية وتحملوا وحدهم لا غيرهم تداعياتها النفسية والجسمانية وفقدوا أعزاء ورفقاء زملاء وأصدقاء، لكنهم ومع ذلك حصدوا الكثير وأثمر زرعهم الذي سقوه ولأكثر من شهر بدمائهم وعافيتهم حتى وإن كان ما أثمر ليس بكافٍ لتحقيق ما طمحوا إليه، لكن فلنقل إنه رذاذ وشظايا هذه الثورة والتظاهرة لحق بالكثير من البثور التي شوهت المجتمع والاقتصاد والسياسة وخلافه لامست الجرح فطيبته كياً وفصداً.
(2)
لا أحد منا يستطيع أن ينكر فضلها الذي تجلى في عدد من المناحي سواء إن كان بقصد أو بغيره فعلى صعيد الشباب نفسه فتحت لهم قنوات الحوار الجاد من كل حدب وصوب من الجهات ذات الصلة بقضاياهم واحتياجاتهم وتدرج العرض حتى بلغ هرم السلطة كي يعترف ويقدم الطرح المناسب، ويعد ولا يتوعد فقد أبلغتموهم الدرس وحفظوه جيداً وأفاقوا من سباتهم بتلكم الهزة التي أحدثتموها ليعوا أخيراً إن هنالك شباباً قادراً على فعل الكثير ولا ينبغي تجاهله وهم فعلياً صناع الغد.
(3)
منحى آخر ليس بعيداً عن أعلاه وهو الوعي المتأخر بقيمة المعلم بالرغم من هذا ومن المفترض أن يكون معلوماً لديهم وأظنه كذلك لكنه تقييم نظري دون أن يكون هنالك فعل على أرض الواقع، بيد أن مخرجات الثورة حرضت على نبش قيمته من جوف الإهمال، وكان استشهاد الأستاذ (أحمد الخير) بمثابة طعنة نجلاء في خاصرة التعليم والسلطة والجهات المعنية لينخرط بعدها الجميع في التسبيح بحمد المعلم. ولولا أن القضية أصبحت قضية رأي عام ساعد في إذكاء نارها مواقع التواصل الاجتماعي التي هاجت ولم تهدأ لها ثائرة حتى الآن، فضلاً عن الوقفة الصلبة التي وقفها معلمو السودان ومعلمو ولاية كسلا ومدينة خشم القربة على وجه الخصوص حد التهديد بإضرابهم عن العمل.. فالتحية للمعلم بلا موعد ولا ميقات..والرحمة والمغفرة للأستاذ (أحمد الخير) وكل النجوم الزواهر التي تهاوت.
(4)
أعتقد كذلك أن ثمة توجيهات وتعديلات قد تطال منتسبي جهاز الأمن والمخابرات الوطني من أولئك المعنيين بأمر المعتقلين فحادثة وفاة المعلم وربما آخرين جراء التعذيب قد تجعلهم يعيدون ترتيب أوراقهم، وإذ ربما هناك تجاوزات من بعضهم وإلا لما أرسلت القيادة بالمركز وفداً منها على أعلى مستوى لتقصي الحقائق وتقديم الجناة من أفراده لمحاكمة عادلة إن ثبت تورطهم. ونتمنى أن يحدث ذلك فعلياً.. أي ترتيب الأوراق.
(5)
أيضا يبدو أن السيد الرئيس والسلطة ككل انتبهوا للتو إلى قيمة الإعلام لاسيما الصحافة فاجتمع بقادتها وكبار كتابها للاستماع إليهم والتحاور معهم بالرغم من إنها ولوقت قريب كانت تعتبرها عدواً لها وحاصرتها وهي تنشد تحجيمها بعدد من الوسائل والسبل، لكن وعلى ما يبدو أن الأحداث الأخيرة والدور الكبير الذي قامت به الصحافة في تهدئة الأوضاع والتعامل برصانة وإيجابية معها ومع القضايا كافة بالشكل الذي بطريقة أو بأخرى حافظ على ماء وجهها الذي أوشك أن يراق، والكثير الكثير مما قدمته لوحدة الصف دفع السيد الرئيس الذي بدأ بمزاج عالٍ والغبطة لا تسعه وهو يدرك القيمة الفعلية للصحافة، الأمر الذي دفعه لتقديم تسهيلات ترفع عنها بعض السلاسل التي كبلتها وأوشكت على خنقها.
نعم أعلاه وغيره لولا الحراك الذي قام به هؤلاء الشباب لما كان ولا أظنه سيكون. هذا بعيداً عن مبتغى البعض الكثير منهم والذين ما زالوا ينافحون عبر المظاهرات. أيضاً كل ما قيل به وما قدم من وعود بعيد تماماً عن الأزمة الحقيقية التي ما زالت تطل برأسها وتمد لسانها.