أحداث العام 2012م.. وقائع مهمة ودروس مستفادة
حفل العام 2012م، الذي يلفظ آخر أنفاسه، العديد من الأحداث السياسية الداخلية، التي أثرت وستؤثر بلا شك في الخارطة السياسية للبلاد سواء في العام القادم أو الأعوام التي تليه. ولئن كانت هذه الأحداث ذات جوانب سياسية محضة أو أمنية أو اقتصادية، فإنها في نهاية المطاف تشكل مثلثاً متساوياً وثلاثي الأضلاع، تؤثر على بعضها البعض وربما بنفس القدر.
{ محاولة انقلابية
من أخطر الأحداث السياسية التي حدثت بنهاية العام، المحاولة الانقلابية ضد الحكومة التي اتُهم فيها مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق وأكثر رجال الإنقاذ نفوذاً في الآونة الأخيرة الفريق “صلاح قوش”، ومعه مجموعة من القيادات العسكرية والأمنية والسياسية من داخل حزب المؤتمر الوطني– الحاكم، من بينهم العميد “ود إبراهيم” وهو من أشهر الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية صيتاً وسطوة. ويُعتقد على نطاق واسع أن هذه المحاولة الانقلابية ما هي إلا نتاج طبيعي لسلسة من الأحداث والوقائع التي وقعت في هذا العام، فقد أقامت الحركة الإسلامية السودانية مؤتمرها العام الثامن في نوفمبر وسط حالة من الشد والجذب بين معسكرين هما ما يعرفان بـ(الإصلاحيون الجدد) و(الحرس القديم) من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني الذي ذوّب الحركة في داخله. وقد شهد المؤتمر حدثاً استثنائياً، هو إعلان النائب الأول لرئيس الجمهورية تخليه عن منصبه كأمين عام لها، في خطوة وجدت الاستحسان من قادة (مذكرة الألف أخ)، وهي مذكرة إصلاحية أيضاً قدمها شباب الإسلاميين في الربع الأول من هذا العام، ويطالبون بإصلاحات جوهرية داخل الحزب بما فيها ذهاب القيادات الحالية وإبدالها بقيادات جديدة، لها أفكار جديدة تستطيع أن تواجه التحديات الجسام التي تواجهها الحكومة والحزب معاً.
ويعدّ المحلل السياسي “عز الدين ميرغني” المحاولة الانقلابية أهم حدث سياسي على الإطلاق في العام الحالي. وقال خلال حديثه لـ(المجهر) يوم أمس: إن المحاولة الانقلابية ستترك أثراً كبيراً على مستقبل الحكومة وحزب المؤتمر الوطني خلال العام المقبل أو السنوات القادمة. وتابع يقول: (سواء تمت محاكمتهم أو إعفاؤهم كما يطالب بعض الإسلاميين، فإن الأمور لن تكون كما كانت في المؤتمر الوطني.. وأنا شخصياً أتوقع أن يتعظ قادة الحزب من هذه المحاولة، وسيحاولون الالتفات إلى أسباب هذه المحاولة، بل سيعودون إلى المذكرات والحركات الإصلاحية وسيجلسون معهم لأنهم يدركون خطورة الموقف).
وشهد العام 2012م توقيع السودان وجنوب السودان على اتفاقية التعاون المشترك بين البلدين تحت رعاية الوسيط الأفريقي “ثامبو أمبيكي” في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وهي اتفاقية جاءت على خلفية توتر سياسي وأمني بين الخرطوم وجوبا، كادت أن تتحول إلى حرب شاملة بين البلدين بعد توقف دام سنوات منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م. ومع أن الاتفاقية لم تُنفذ حتى الآن بعد مرور أكثر من شهرين على توقيعها، إلا أن رئيس تحرير صحيفة (ذي ستيزن) التي تصدر من جوبا “نيال بول” يعتقد أن العام المقبل سيشهد تحولاً كبيراً في العلاقة بين البلدين. وأوضح خلال رسالة بعث بها عبر بريده الإلكتروني لـ(المجهر) أن البلدين لم يعودا يستطيعان دفع فاتورة الحروب، وتابع يقول: (اعتقد أن قادة البلدين أدركوا بعد طول تعنت أن الحرب لن تنجح، وأن الطريق الأمثل هو السلام والبحث عن تبادل المنافع بدلاً عن تبادل الاتهامات.. صحيح أن توقيع البلدين اتفاقاً هو حدث كبير، لكن الأهم من ذلك هو ترجمة هذا الاتفاق إلى أرض الواقع لمصلحة الشعبين).
{ (هجليج) و(اليرموك)
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن الأحداث الأمنية التي وقعت خلال هذا العام دون أن نشير إلى احتلال الجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب لمنطقة (هجليج) الغنية بالنفط، في واقعة أثرت بشكل كبير على الشعب السوداني والقيادة السياسية على حد سواء. ذلك لأن الجيش الشعبي، لا مقارنة بينه والقوات المسلحة السودانية، لا من حيث التاريخ ولا من حيث التجهيز اللوجستي والعناصر والقيادة، لذا فإن وقع هذا الاحتلال، الذي كان في شهر أبريل، أليم وصادم بالنسبة للكثيرين.. وهذا يفسر الفرح الهستيري الذي أصاب السودانيين عندما تم تحريرها وتوحدوا كما لم يتوحدوا من قبل.
كما شهد العام 2012م قصف الطائرات الإسرائيلية لمجمع (اليرموك) للتصنيع الحربي جنوب الخرطوم، وكان تحولاً ملحوظاً في تعامل الحكومة الإسرائيلية مع السودان، إذ ظلت تقصف أهدافاً محددة في منطقة شرق السودان، وآخرها ما وقع مطلع هذا العام عندما قصفت طائراتها العربة (السوناتا) بمدينة بورتسودان وقتلت سائقها السوداني بلا رحمة.
وشهد النزاع المسلح بين الحكومة والحركة الشعبية– قطاع الشمال تحولاً نوعياً في الأزمة العسكرية عندما قصفت قوات الحركة مدينة كادوقلي بقذائف (الكاتيوشا). ويُضاف إلى ذلك تحول الصراع إلى جانب آخر كان غير موجود، وهو اللجوء إلى الاغتيالات السياسية عندما تم اغتيال رئيس المجلس التشريعي لولاية جنوب كردفان “إبراهيم بلندية” وسبعة من مرافقيه على يد مقاتلين من الحركة الشعبية. ووصف العميد متقاعد “عبد الله أبو قرون” ما حدث من أحداث عسكرية في هذا العام وخاصة احتلال (هجليج) وضرب مجمع (اليرموك) بـ(بالنكسات العسكرية)، وقال خلال حديثه لـ(المجهر) يوم أمس: (أعتقد أن هنالك أموراً يجب مناقشتها بتعقل وبهدوء وبدون توتر داخل المؤسسة العسكرية.. فإنه لا يعقل أن يقوم جيش مثل الجيش الشعبي باحتلال مدينة مثل هجليج من القوات السودانية.. ما حدث قد حدث وحتى لا يتكرر ذلك يجب أن يدرس القائمون على الأمر هذه الثغرات حتى يتم تجنبها.. وصراحة فإن الجيش يحتاج إلى زيادة في موازنته وربطه بعقيدة عسكرية جديدة خاصة بعد انفصال الجنوب).
{ سنة تقشُّف
وشهد العام 2012م توجّه الحكومة السودانية إلى سياسة التقشف لمواجهة الخطر الذي يحدق بالاقتصاد السوداني بعد أن انفصل الجنوب وذهبت إيرادات البترول إلى جوبا، وزاد من ذلك عندما أغلقت أنابيب النفط تماماً، وهو الأمر الذي أدى إلى تكوين حكومة تقشفية ذهبت بكثير من الوزراء ومستشاري الرئيس ومساعديه إلى التقاعد الإجباري والمبكر. كما شهد سعر الجنيه السوداني انخفاضاً وصل إلى مستويات قياسية، بحيث وصل إلى أكثر من (7) جنيهات مقابل الدولار الأمريكي، بعد أن كان (3.3) عندما انفصل الجنوب في العام 2011م. الأكثر من ذلك أن الحكومة قد رفعت الدعم عن المحروقات بعد شد وجذب بين الجهازين التنفيذي والتشريعي، وهو الأمر– من بين أمور أخرى- الذي أدى إلى أن يصل معدل التضخم إلى أكثر من (46%) وهو رقم لم يصله طوال العشر سنوات الماضية. ويرى رئيس تحرير صحيفة (إيلاف) الأسبوعية “خالد التجاني النور” أن ما حدث من تدهور للاقتصاد السوداني هو نتيجة طبيعية لغياب الرؤية وهيمنة القرار السياسي على القرار الاقتصادي الفني. وقال “خالد”، الذي كان يتحدث لبرنامج (حتى تكتمل الصورة) الذي بثته قناة النيل الأزرق، إن العام الماضي هو من أسوأ الأعوام من حيث التخطيط للاقتصاد، بدليل أن الموازنة تم تعديلها لأكثر من مرة، وقال إن البلاد في حاجة إلى رؤية واضحة وقرارات شجاعة لمواجهة التحديات الاقتصادية، منها عدم تغول القرار السياسي على القرار الاقتصادي، على غرار ما تم الإعلان عنه مؤخراً بإنشاء ولاية غرب كردفان في وقت تقول فيه الحكومة إنها تدعو للتقشف وتقصير الظل الإداري للدولة.
{ رحيل محزن
أيضاً العام 2012م شهد حادث طائرة تلودي في أغسطس بينما كان من على متنها ذاهبين للمعايدة، ومنهم المهندس “غازي الصادق” وزير الإرشاد والأوقاف، و”محجوب عبد الرحيم توتو” وزير الدولة بالشباب والرياضة، و”عيسى ضيف الله” وزير الدولة بالسياحة والآثار والحياة البرية، و”علي الجيلاني” وزير التربية بولاية الخرطوم، و”محمد حسن الجعفري” معتمد الرئاسة بولاية الخرطوم، و”طارق مبارك” معتمد محلية بحري وغيرهم.. كما شهد العام رحيل عدد من القيادات السياسية والفنية التي لها علاقة بالسياسة من دنيانا، فعلى سبيل المثال رحل سكرتير الحزب الشيوعي “محمد إبراهيم نقد” بعد أن كان يتلقى العلاج بأحد المستشفيات بالعاصمة البريطانية لندن، هذا فضلاً عن رحيل الفنان الكبير “محمد عثمان وردي”، والشاعر الضخم “محمد الحسن سالم حميد”.
أما أكثر ما أحزن عشاق جماهير الهلال، لدرجة أن بعضهم أصيب بالإغماء نهاية العام الحالي، هو انتقال نجمهم الكبير والمثير للجدل وكابتن الفريق “هيثم مصطفى” إلى غريمهم التقليدي فريق المريخ بعد (17) عاماً. وإذا كان هنالك مركز متخصص ومحايد في السودان يمنح شخصية العام، كما تفعل بعض الدوريات الإعلامية العالمية، فإن “هيثم مصطفى” يستحق شخصية العام 2012م بلا منازع بعد الجدل الذي أثاره، مما حدا برئاسة الجمهورية للتدخل وتخفيف حدة التوتر!!