ثلاثة أسباب وراء إحباط الاحتجاجات في السودان وثلاثة أسباب اندلاعها
الرئيس في كسلا :فتح حدود وتجديد عهود
الرئيس في كسلا فتح حدود وتجديد عهود
#ثلاثة أسباب وراء إحباط الاحتجاجات في السودان
يوسف عبد المنان
#كسلا هي المحطة قبل الأخيرة لجولات الرئيس في ولايات السودان بعد نشوب الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي بدأت مطلبية لتحسين خدمات الخبز والوقود والسيولة النقدية وانتهت سياسية بمطالبة المتظاهرين بتنحي “البشير” من السلطة وإسقاط النظام وتنقل “البشير” البالغ من العمر ٧٦سنة برشاقة وروح معنوية عالية مابين الجزيرة في وسط البلاد ونيالا في أقصى الغرب ومعقل الصوفية في بحر أبيض وكادقلي في أقصى الجنوب وكسلا على الحدود الشرقية مع اريتريا وغدا يتوجه إلى الأبيض وفي ظروف اقتصادية بالغة السوء يفتتح طريقا تجاوزت كلفته المليار دولار يربط بين غرب السودان ووسطه وشماله وبين تجوال الرئيس في الولايات الست وسابعتهن ولاية الخرطوم، زار الرئيس عدداً من البلدان بدأت بسوريا وقطر ومصر
في تنقلات البشير بين الولايات ماتت جذوة ثورة الشباب التي اندلعت في النصف الثاني من الشهر الماضي وقد أثبت الرئيس تمتعه بطاقة بدنية تؤهله على الأقل لحُكم البلاد لمدة خمس سنوات أخرى وأثبت تمتعه بطاقة سياسية وحيوية ونشاط وقدرة على مواجهة المصاعب ومقاومة (المطبات الهوائية)
وسجل أحد الناشطين في الحراك المعارض في لحظة صفاء وهو يتحدث لصحافيين بأحد القنوات الفضائية العربية بأن حركة ونشاط الرئيس “البشير” وخطابه السياسي المعتدل قد ساهم بقدر في إحباط ثورتهم وفي تنقلات الرئيس بالولايات هزيمة مباشرة لمشروعهم الرامي لمحاصرة النظام وقال القيادي الناشط (كم تمنينا أن يتحدث “الفاتح عزالدين وحمدي سليمان” ولكنهم سكتوا)
كانت محطة (الخميس) الماضي في كسلا ذات أهمية بالغة لأهمية مدينة كسلا سياسيا وأمنيا خاصة وأن المدينة التي تقع على بعد ثمانية عشر كيلومترا من الحدود مع اريتريا لم تشهد احتجاجات جماهيرية تذكر في الحراك الشعبي المعارك باستثناء يوم وحيد ولم تقع وسط المتظاهرين خسائر في الأرواح وانفضت المظاهرة سلما وتلك صورة مغايرة لما حدث في مدينة القضارف المجاورة لها حيث قتل نحو أربعة مواطنين وأحدث المتظاهرون تخريبا واسعا للممتلكات الأهالي وأعمال نهب وربما استغل المعارضون الفراغ التنفيذي بالقضارف حيث غيب الموت والي القضارف السابق المهندس “ميرغني صالح” بينما أثبت والي كسلا “آدم جماع” قدرة على العطاء وجمع شتات وشعث ولاية شديدة التعقيد ولم يخف المواطنون ارتياحهم لأداء الوالي “جماع” أمام الرئيس حينما هتفوا (جمعتا الناس يا جماع )
على منوال صبية المعارضة التي طارت بهتافاتها الأسافير
وبدأ مفاجئا للمراقبين كيف استطاعت حكومة كسلا حشد الآلاف في ملعب بحي غرب نهر القاش عوضا عن ساحة صغيرة في وسط المدينة والملعب الذي يُسمى إستاد “البشير” هو ثمرة لإقامة الدورة المدرسية في كسلا قبل عامين.
#في خطوة مفاجئة سدد الرئيس على طريقة لاعبي كرة القدم من منطقة وسط الملعب تصويبه في المرمي السياسي ليحرز الهدف الثاني لحكومته في غضون أسبوع واحد بعد الهدف الأول باستاد كادقلي حينما أعلن عن وقف إطلاق النار من غير سقف زمني لنهايته وحتى يتحقق السلام في المنطقتين وقبل أن يفيق الطرف الآخر أي معسكر (تسقط بس ) من الأثر المعنوي لذلك الهدف يصوب الرئيس قذيفة أخرى من غرب القاش وأعلن عن فتح الحدود مع دولة اريتريا بعد قطيعة طويلة بين الدولتين وإعلان الرئيس سبقته تحية بعث بها للاريتريين المرتبطين بالسودان جغرافيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وبعض مكونات اريتريا هي بعض من مكونات الشرق وقرار فتح الحدود لا تقل أهميته لمواطني الشرق عن قرار وقف النار وانهاء الحرب في دارفور والمنطقتين وذلك لنشاط التجارة العابرة للحدود واعتماد اريتريا على الواردات من السودان وبعد إغلاق الحدود العام الماضي تأثرت قطاعات واسعة من التجار بذلك القرار الأمني بعد تواتر تقارير عن عودة المعارضة السودانية المسلحة للأراضي الاريترية واستهداف السودان وتم انهاء خدمة السفير السوداني في اريتريا “ماجد يوسف” بسبب تضارب المعلومات مابين الأجهزة التنفيذية والدبلوماسية
وكان “موسى محمد أحمد” مساعد الرئيس قد حاول مرارا رأب الصدع بين “البشير” و”أفورقي” ولكنه لم يحقق النجاح في بادئ الأمر لكن ثمرة جهوده يتم حصدها الآن بعودة الصفا بين الدولتين الجارتين وتعهد الرئيس في حديثه لمواطني كسلا بأنه لم يتغير ولم يتبدل وعلى العهد سائر، لكنه قال بلهجة حزينة (أنا خائف ) أن لا اكون قدر التحدي وأن أقصر في حقكم وهنا ارتفعت الهتافات تقعد بس وتفتقت عبقرية نساء كسلا الجميلات لتعبير بلغة الفن والنقش حيث جلسن الساعات ينقشن على الأيادي الناعمة عبارة تقعد بس ومجرد مصافحة أية امرأة صغيرة أم كبيرة بائعة كسرة أم بائعة شاي أم موظفة أو ربة بيت تقرأ في كفها تلك العبارة تقعد بس
وقيل إن رجلا نشب خلاف مع زوجته وقرار إطلاق سراحها بإحسان وفي اليوم الموعود لفراقها قرأ في يدها عبارة تقعد بس فقال لها أنا برضو بقول ليك تقعدي بس وعادت لهما الألفة بعد شقاق
ثلاثة أسباب لفشل الاحتجاجات
#واحدة من تلك الأسباب الحركة السياسية والخطاب المرن غير المتشنج من الرئيس “عمر البشير” في الساحة الخضراء وفي ود مدني والكريدة بالنيل الأبيض وخطاب نيالا وكادقلي وكسلا وهذه المخاطبات أعادت للإنقاذ أراضيها التي فقدتها في الفترة الأخيرة ومشكلة الإنقاذ أن هناك فجوة كبيرة جدا بين المسافة التي يقف عليها الرئيس وبقية مساعديه وفي أزمة الاحتجاجات الأخيرة فقد الرئيس قيادات مثل “حسبو محمد عبد الرحمن” و”نافع علي نافع”.
#ثاني أسباب فشل الاحتجاجات الجهود التي بذلت من قبل الفريق “صلاح قوش” المدير العام لجهاز الأمن خارجيا بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة التي قدمت دعما للسودان ولمدة ثلاثة أشهر ونجحت الحكومة في توفير الخبز والبنزين والجازولين وهي الخطوة جردت الحراك الشعبي من أهم أسلحته وبعد أن فقد الحراك القاعدة العريضة من الناس الذين دفعتهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للخروج وهؤلاء بعد تحسن إمداد الخبز ومعالجة نقص الدواء والوقود تراجعوا عن الخروج للشارع وأصبحت المظاهرات مجرد احتجاجات في الأحياء الشعبية سرعان مايتم احتواؤها ودون سيلان دماء.
# ثالث الأسباب التي أدت لانحسار التظاهرات في السودان دخول الأحزاب اليسارية في الملعب وركوبها على ظهر الشباب ومحاولة استثمار حركة الشارع لصالح مشروعها السياسي وجاء انضمام الإمام “الصادق المهدي” بمثابة بذر نهاية الحراك بدخول الأحزاب حيث لا يأمل الناس كثيرا في الأحزاب السياسية.
ثلاثة أسباب للاحتجاجات
#الدافع الأول لخروج الشباب للشارع احتجاجا على الأوضاع القائمة اقتصادي مجردا من السياسة فالسودانيين عاشوا عاما صعبا جدا استعصى على المواطن الحصول على الوقود والخبز، وتطاولت الصفوف منذ بدايات العام الماضي وشحت الضروريات ولم يعد ثمة أمل في الخروج من النفق المظلم الذي عاشته البلاد وقد صبر المواطنون طويلاً على الأوضاع الاقتصادية.
#جاءت التعديلات الدستورية لإعادة ترشيح “البشير” في توقيت خاطئ وانتاب الشباب إحساس بأن المسؤولين في الدولة يعيشون في عالم آخر وتشغلهم قضاياهم والسياسية عن مطلوبات الأسر التي تنام على القوى ومن يملك مالا حصل عليه بكده وعرق جبينه أو أرسله إليه ابنه المغترب في بلاد بعيدة احتجزته الحكومة في مصارفها ولأول مرة في التاريخ تفشل البنوك في الوفاء بمطلوبات الزبائن ولا تملك حتى شجاعة الاعتذار عن عجزها ولذلك خرجت في التظاهرات الأخيرة أحياء يقطنها الأغنياء مثل المنشية وكافوري التي تبلغ أسعار قطع الأراضي فيها أضعاف سعرها في لندن وجنيف وتظاهرت بري قبل كرور وجدعونا وقبر الكلب.
#ثالث أسباب التظاهرات إحساس الناس بأن الأفق السياسي صار مسدودا ولا أمل في التغير قريبا وإذا كانت فكرة التوريث في مصر قد أشعلت شرارة الثورة ضد “حسني مبارك” الذي قدم ابنه لخلافته، فترشيح “البشير” مرة أخرى دون أن يسبق ذلك خطاب سياسي من الحزب يبرر الخطوة التي أقدم عليها المؤتمر الوطني قد ضاعفت من الاحتقان في جسد الشارع المثقل أصلا بالآلام والجروح.
ترشيح “جماع” في كسلا
#في خطوة استباقية لحل المأزق الذي وجد المؤتمر الوطني نفسه في مواجهته ألا وهو انتخابات الولاة من الشعب مباشرة إنفاذاً لمقررات الحوار الوطني وتمسك حزب المؤتمر الشعبي على وجه التحديد بهذا الحق وبعض الأحزاب الصغيرة وقبل أن يتخذ قادة الحزب في المركز قرارهم حول كيفية الترشيح الداخلي ومن يبتدر الترشيح هل هم أهل الولاية أصحاب الحق الأصيل؟ أم تعتبرهم النخبة المتنفذة في المركز غير جديرين باختيار مرشحهم وتفرض عليهم مرشحا من فوق وما عليهم إلا السمع والطاعة والتصويت له
!!
في هذا المناخ السياسي يستبق أهلي كسلا وهي منطقة يتوزع الولاء السياسي فيها ما بين الحزب الاتحادي الديمقراطي وجيوب لحزب مؤتمر البجة وفي آخر انتخابات ديمقراطية دخلت الجبهة الإسلامية كلاعب جديد في الساحة السياسية
وشهدت السنوات الماضية تعين الوالي الحالي “آدم جماع” وهو من عرب دارفور ومن قادة الحركة الإسلامية وقد فاجأ الجميع في الانتخابات الماضية عندما نافس حاكم شمال دارفور ونائب رئيس الجمهورية الحالي “عثمان يوسف كبر” الذي كان صعبا منافسته وذلك الكسب أهله ليصبح واليا على كسلا التي عاشت سنوات استقطاب حادة جدا مابين تياراتها المتصارعة وكشفت الأيام عن قدرات الرجل السياسية والتنفيذية وقربه من الناس ووقوفه بعيدا عن تنافس القبائل والمجموعات على مكاسب السُلطة
نظرت قيادات الأحزاب التي تتكون منها حكومة كسلا وقررت الدفع بترشيح “جماع” واليا في الانتخابات القادمة بغض النظر عن رؤية الحزب المركزية وخلال اللقاء الجماهيري رددت أصوات أمام الرئيس مطالبها بإعادة ترشيح الوالي “جماع” الذي نجح في حشد جماهير كسلا لاستقبال “البشير” كأن المدينة لم تخرج من قبل لحاكم من حكام السودان وفي لقاء الرئيس بالقيادات السياسية الذي يعرف بلقاء الفعاليات أجمع كل من نال فرصة الحديث أمام الرئيس بتقديم طلب وحيد أن يعيد الرئيس ترشيح “جماع” عن حزب المؤتمر الوطني في الانتخابات المقرر لها أبريل / نيسان من العام القادم وحينما تكاثفت الضغوط على الرئيس لم يجد من بد غير إعلانه ترشيح “جماع” لولاية كسلا وخوض أول والي لتجربة انتخاب وهو من غير أهل المنطقة ورغم خطورة أن يخوض مرشح في السودان تجربة كالتي يقدم عليها السودان الآن مجردا من دعم عشيرته وأهله إلا أن التجربة قد تعكس نضوجا سياسيا في الساحة وقد يجدها المؤتمر الوطني حلا لتنامي الصراعات الانتخابية وتدثرها بالقبلية والعشائرية ويترشح في الانتخابات القادمة “محمد طاهر أيلا ” في الجزيرة، و”آدم الفكي” في نيالا، والشرتاي “جعفر عبد الحكم” لولاية الخرطوم، وهذه التجربة قد تمثل حلا لصراعات الانتخابات خاصة إذا ما استمرت مقاطعة الأحزاب ذات الثقل للعملية الانتخابية ومنافسة الوطني لنفسه فقط وبعض جيوبه الصغيرة وحلفاء المغانم الذين آثروا الاختفاء في لحظات الشدة والمحنة كالتي غشيت البلاد مؤخراً.