نحن شعب تفرد بالعظيم الجميل من الخصائص والخصال، ولا أحدث هنا عن الجود والكرم والشهامة وكل العادات والتقاليد والأعراف المتوارثة جيلاً بعد جيل.
نحدث عن البيت السوداني في تماسكه وتواده وتراحمه وتكافله الأمر الذي انعكس إيجاباً على الجيران والمجتمع.
زمان كان كل كبير في الحي أو الفريق هو أبوك أو أخوك الأكبر وكل بيت هو بيتك يعيش الناس في تراحم وتداخل محصن وفِي أريحية يحفها الحياء والخلق القويم وحفظ الأعراض وأسرار البيوت ولا تعدي على قدسية المكان،
والزمان كان أخضراً وطيباً ومبتسماً لا نزاعات ولا اشتباكات إلا طفيفة يحلها الكبار ويصطلح الخصوم في مشهد وديع ونادر،
كان الرجل أو الصبي يقول أنا المأمون على بنات الفريق، وكان العفاف وحُسن الجوار وطيب المعشر وطلاوة الحديث وتفقد الآخر وباقي الطيبات.
كان كل شيء يمضي إلى غايته في نظام وترتيب دقيقين، وكل الأمور تجري على ما يرام وتجري سفينة الحياة باسم الله مجريها ومرسيها.
ودار الزمان دورته وتغير الحال وحدث ذلك تقريباً وحسب تقديراتنا الشخصية في النصف الثاني من سبعينيات القرن الذي ولى مع تعاظم موجات الهجرة والاغتراب وغياب رب الأسرة وأثر ذلك الغياب السالب على البيت والأسرة
حقيقة حدث شيء ما أطاح بعض الشيء بتماسك الأسرة والبيت السوداني الأمر الذي ينعكس سلباً على حركة وحراك المجتمع
أضف إلى ذلك الضائقة الاقتصادية وتعثر سبل كسب العيش وكثير من العوارض والهزات التي ضربت كيان البيت والأسرة.
ودائما نردد أنه ومنذ غابت صينية الغداء في البيت السوداني عن مكانها وميقاتها المحتوم حتى غابت قيم كثيرة كانت الحصن الحصين والركن الركين في حفظ تماسك الأسرة،
والآن قضت التقانات الحديثة والأجهزة والوسائط وأجهزة الجوال على ما تبقى من هذا التماسك وأجهزت عليه.
لابد من إعادة ترتيب البيت السوداني وإعادته سيرته الأولى وإن كان الأمر صعباً لكنه ليس مستحيلاً.
الأسرة الآن صغيرة في تكوينها وعدد أفرادها حيث تسهل رعايتها عكس ما كان في الماضي إذ كان رب الأسرة يعول ما يقرب من العشرين فردا لكن كل الأمور كانت تحت السيطرة وربما يعود ذلك إلى الجو والمزاج العام للمجتمع وتماسكه.
الآن نحن في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب البيت السوداني وتحصينه ضد المتغيرات المتصاعدة وضد حادثات الزمان.
الموضوع طويل وشائك ويحتاج إلى بحث ومتابعة من المختصين بل من جميع مكونات المجتمع حتى نصل بهذا البيت الركيزة إلى بر الأمان فلنتداعى جميعاً إلى إعادة البيت السوداني سيرته الأولى.