رأي

ضحايا التحرش… ولوعة المحاكم

أمل أبوالقاسم

ليس هناك ما هو أكثر إيلاماً ووقعاً على النفس بخلاف أولئك الشباب الذين تساقطوا شهداء أثناء التظاهرات التي تنتظم البلاد هذه الأيام، سوى الخبر الذي تناقلته الوسائط وبعض الصحف لطفلة أجهشت بالبكاء حال رؤيتها لمغتصبها، أكاد أجزم أنها وفي تلكم اللحظات استدعت أو تداعى لها الموقف كله، وشعرت بذات الألم الجسدي والنفسي الذي أصابها عند ارتكاب الجرم الفظيع ومن من.. للأسف من أستاذها المفترض أنه المربي الفاضل والأب الثاني، لكنا نرجع ونستدرك أن هكذا معتدين من لدن الأسرة المدرسة كانت أو المنزل أصبح في حكم العادي، فقط نحتاج الشجاعة لفضحه بعيداً عن (الغطغطة) فهؤلاء يكفيهم من الدنيا ما عاشوه وينبغي أن يأخذوا عقابهم كاملاً غير منقوص ويفسحوا طريق الحياة السوية لهؤلاء القصر حداة المستقبل وحتى يستقيم ذلك لابد أن تستقيم حياتهم المبرأة من كل عقبة ومعضلة وكل ما من شأنه أن ينغص حياتهم ويتلفها.
(2)
جاء في متن الخبر أن طفلة لم تتجاوز التسع سنوات تعرضت للاغتصاب، اغتصبت من قبل معلمها نهاية اليوم الدراسي بالمدرسة، وعندما رجعت منزلها أخطرت والدتها بالواقعة، فشرعت من فورها بفتح بلاغ في محكمة الأسرة والطفل، وأثناء سير القضية بالمحكمة، وما أن شاهدت الطفلة مغتصبها دخلت في نوبة بكاء حاد للحد الذي دفع بالقاضي لرفع الجلسة على أن يتم التحري معها بمفردها. أما كان من الأجدى فعل ذلك منذ البدء، أي محاولة تفادي الطفلة الوقوع في هكذا مأزق وموقف مؤلم. وبحد علمي أن الأطفال ضحايا التحرش والاغتصاب يتم استجوابهم من داخل غرف أو مكاتب مثبتة بها شاشات تنقل وقائع الجلسة، قالت بذلك عدد من الاختصاصيات في علم النفس والاجتماع لاسيما اللاتي يعملن بمحاكم الأسرة والطفل.. فإن كان ذلك صحيحاً ما الداعي لوضع هذه الطفلة في هذا الموقف القاسي؟ وإن لم يكن كذلك وأعني ما قيل به من تجنيب الأطفال لساحة المحكمة وزجهم في هذا الموقف ومواجهتهم بالمعتدي فمن باب أولى تغيير هذا النهج.. فنحن الذين لا علاقة لنا بدراسة علم وطب النفس نرى في ذلك خطأً فادحاً إذ كيف تواجه طفلة أو طفل بقاتلها ومعذبها أما تكفيها الصورة الذهنية التي ستظل تلاحقها مدى حياتها.
(3)
أمر آخر وددت لو وجدت له إجابة وهو ما يعني بالتطبيب النفسي لما بعد الحادثة التي يتعرض إليها الأطفال من الجنسين، هل تسعى الأسر التي استقوت وتقدمت ببلاغ أو حتى تلك التي تسترت وخافت لأي من الأسباب الكثيرة التي نعلمها، هل تسعى لإخضاع من تعرض للتحرش من أطفالها لعلاج نفسي كافٍ يؤهلهم لتكملة حياتهم بصورة معافاة؟ لأنه وبحسب ما تناهى لعلمنا أن جُل مرتكبي هذه الجرائم البشعة من التحرش والاغتصاب كانوا ضحية لذات الفعل في طفولتهم، وما يرتكبونه من جرم لهو مجرد انتقام وتشفٍ من جهة، وفعل التصق بمخيلتهم من جهة أخرى.. لكنا نطرح أن (الجفلن خلهن أقرع الواقفات)
(4)
ولابد أن تكون هناك مساعٍ حثيثة من جهات الاختصاص لتوعية الأسر بإدراك هذا الأمر. نعلم أن محكمة الأسرة والطفل لديهم عمل بالخصوص، لكن لابد من توعية الأسرة نفسها واستصحابها في هذا المشوار من مراحل العلاج وكيفية تعاملها نفسها مع الطفل المتحرش به درءاً للكثير مما يعطل ويشوه صورة الحياة لهم في مستقبلهم وكذا بث الطمأنينة في أنفسهم وهم في هذه المرحلة العمرية التي تحتاج لاحتواء وإيواء دافئ وآمن.
اللهم نستودعك أطفالنا في حضورنا وغيابنا ، ونسألك أن تحفظهم وتحفهم بعنايتك وألحظهم بعينك التي لا تنام.. الدعوة التي لا ننفك نرددها عند كل صلاة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية