قمة “بيروت”ما هي دواعي تحفظ الخرطوم على فقرة بخصوص الاستثمار الزراعي في البلاد؟
الخرطوم – ميعاد مبارك
القمة العربية التنموية الاقتصادية الاجتماعية التي انعقدت يومي (الأحد)، و(الإثنين) الماضيين، بالعاصمة اللبنانية بيروت، حذفت من بيانها الختامي فقرة كاملة بعد اعتراض السودان على جملة أضيفت حول المياه في بند خاص بالاستثمار في القطاع الزراعي، حيث أبدت الخرطوم تحفظها على جملة (مع التأكيد على الالتزامات القانونية الدولية لجمهورية السودان، بما في ذلك في مجال المياه)، فمن أضاف الفقرة ولماذا أضيفت، وما هي دواعي رفض الخرطوم؟
نائب رئيس الجمهورية، الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” ترأس وفد السودان في اجتماعات القمة، والتي التأمت بحضور عدد من رؤساء الدول العربية والمنظمات الدولية.
وبحثت القمة حسب إعلام رئاسة الجمهورية، عدداً من الملفات الاقتصادية، وجدول أعمال وتقارير المتابعة حول تنفيذ قرارات القمم السابقة التي انعقدت في “الكويت 2009 – شرم الشيخ 2011-الرياض 2013″، فضلاً عن ملف الأمن الغذائي العربي الذي طرحه السودان خلال قمة الرياض، ومستوى تنفيذ المشروعات التي تضمنها، وكانت القمة العربية قد حذفت من بيانها (الإثنين) الماضي، فقرة كاملة، بعد اعتراض السودان على جملة واحدة فقط حول المياه في بند خاص بالاستثمار في القطاع الزراعي، وحسب ما تناقلته وكالات الأنباء، أبدى “بكري حسن صالح” ملاحظة على جملة كانت أضيفت إلى فقرة تقدمت بها الخرطوم، حول دعوة القطاع الخاص إلى الاستثمار في الأمن الغذائي العربي، مشيراً إلى أن هذه الفقرة تمت مراجعتها ضمن مسودة البيان (الأحد) الماضي، مع وزارة الخارجية اللبنانية، وتوافق الطرفان عليها، وأن وفد السودان فوجئ بإضافة جملة جديدة نصها: “مع التأكيد على الالتزامات القانونية الدولية لجمهورية السودان، بما في ذلك في مجال المياه”.
النائب الأول لرئيس الجمهورية أكد أن تلك الفقرة تقدمت بها حكومة السودان، لكن الجزء المضاف لم تتقدم به، مطالباً بسحب ذلك الجزء من الفقرة، مشيراً إلى أن الوفد المصري كانت لديه إضافات وتم التحفظ عليها، في وقت لم يذكر تلك التحفظات.
}نص الفقرة المحذوفة
الفقرة التي حذفت من البيان الختامي نصت على: (انطلاقاً من الحرص على تعزيز الأمن الغذائي العربي، ندعو القطاع الخاص والعربي للاستثمار في المشروعات التي توفرها مبادرة فخامة رئيس الجمهورية السوداني عمر البشير للاستثمار الزراعي العربي في السودان، لتحقيق الأمن الغذائي العربي، مع التأكيد على الالتزامات القانونية الدولية لجمهورية السودان، بما في ذلك في مجال المياه، وندعو كذلك الصناديق العربية ومؤسسات التمويل إلى المساهمة في توفير التمويل لإنجاز هذه المشروعات).
وكان وزير الخارجية المصري “سامح شكري” قال في تصريحات صحفية حول الحذف الذي تم للفقرة من البيان الختامي، (لا يمكن أن يأخذ من بعضه ويترك بعضه)، مشيراً إلى أن البيان الختامي هو انعكاس حقيقي وصحيح لمجمل القرارات الصادرة عن القمة، وأضاف: (نرى أن هذه الإشارة العامة الخاصة بالمياه لا شيء بها يؤثر على الدعم الذي نوفره لمبادرة الرئيس السوداني عمر البشير، وهي مبادرة مشكورة تدعم الجهود لتحقيق الأمن الغذائي الذي يدعمه السودان)، وقال المتحدث باسم القمة “رفيق شلالا”: (بناءً على رغبة السودان تم حذف فقرة الأمن الغذائي كاملة).
ولعل حساسية ملف المياه بين دول حوض النيل والخلافات التي شهدتها طوال الفترة الماضية، جعلت القراءة التحليلية لتصريحات المسؤولين السودانيين والمصريين تميل إلى وجود نذر خلافات بين الخرطوم والقاهرة، إلا أن وزارة الخارجية السودانية نفت ما سبق حسب تصريح صحفي لوزير الدولة بالخارجية “أسامة فيصل”، والذي أكد عدم وجود علاقة لمصر بملاحظات السودان التي قدمها خلال القمة الاقتصادية التي عقدت مؤخراً ببيروت، وأوضح أنها مسؤولية لجنة الصياغة بالقمة.
وزير الدولة أكد أن القمة الاقتصادية العربية التي عقدت بالعاصمة اللبنانية بيروت، مؤخراً شهدت توافقاً في المشروعات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
وقال “فيصل” في تصريح لوكالة السودان للأنباء عقب عودته للبلاد، إن وفد السودان أبدى ملاحظات على مسودة إعلان بيروت التي هي مسؤولية لجنة الصياغة ولا علاقة لجمهورية مصر البتة بالموضوع، وأوضح أن العلاقة بين البلدين في أفضل حالاتها.
“فيصل” أشار إلى أن القمة استمعت لعدد من الموضوعات المهمة الخاصة بالسودان، وأعدت حولها قرارات من ضمنها قدمت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تقريراً بشأن مبادرة رئيس الجمهورية حول الأمن الغذائي العربي.
وأضاف “فيصل” أن التقرير أشتمل على الآلية التنفيذية للمبادرة، بجانب عرض لما نفذ خلال الفترة السابقة وجدول يحوي المشروعات التي يمكن الاستثمار فيها على المدى القصير والمتوسط وفق الدراسة التي أجريت، وأوضح “فيصل” أن القمة استعرضت البرنامج الطارئ للأمن الغذائي، ونوه إلى أن السودان قدم فيها أيضاً تقريراً وافياً للمشروعات التي تم تنفيذها، وأضاف: (القمة رحبت بترتيبات حكومة السودان لتنفيذ مبادرة الأمن الغذائي).
وكانت العلاقات السودانية المصرية قد شهدت تطورات واضحة في الفترة الماضية، حيث انعقدت عدد من القمم الرئاسية المشتركة في البلدين، فضلاً عن اللجان والاجتماعات المشتركة بين مسؤولي البلدين، لعل أبرزها الاجتماع الدوري لوزراء الخارجية ومدراء أجهزة الأمن في البلدين التي انعقد آخرها في الخرطوم الشهر الماضي.
وكانت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل قد وقعت في العام 1902 في أديس أبابا، والتي عقدت بين إثيوبيا وبريطانيا )بصفتها ممثلاً للسودان ومصر المستعمرتين( من بريطانيا، حيث نصت الاتفاقية على عدم إقامة أي مشروعات سواء على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، لحقتها اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا عام 1906، واتفاقية أخرى عام 1929، تضمنت إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض في حال إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده، هذه الاتفاقية أجرتها بريطانيا إنابة عن مستعمراتها، حيث كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا، بغرض تنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا، حيث تم تخصيص نسبة (7.7%) من تدفق المياه للسودان و(92.3%) لمصر، وذلك قبل استقلال أي من الدولتين، وكانت الخرطوم والقاهرة قد وقعتا نوفمبر 1959 اتفاقية تقسيم مياه النيل في العاصمة المصرية القاهرة، حيث جاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 وليست لاغية لها حسب ما اتفق عليه الطرفان وقتها، وشمل الاتفاق الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان في ظل المتغيرات التي ظهرت على الساحة آنذاك، وهي الرغبة في إنشاء السد العالي ومشروعات أعالي النيل، لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات في أسوان.
ونص الاتفاق على أن يكون إجمالي حصة مصر سنوياً (55.5) مليار متر مكعب في مقابل (18.5) مليار متر مكعب للسودان.
في وقت ظل الاتفاق السابق مسار رفض لعدد من دول حوض النيل الأخرى التي وقعت اتفاق عنتبي لمياه النيل في العام 2010، والذي أكد في الفصل الرابع المسمى (الانتفاع المنصف والمعقول)، على انتفاع دول مبادرة حوض النيل انتفاعاً منصفاً ومعقولاً من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل، على وجه الخصوص الموارد المائية التي يمكن تطويرها بواسطة دول مبادرة حوض النيل وفق رؤية لانتفاع معقول.
الاتفاق الذي وقعت عليه كل من أثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وكينيا ورواندا)، والذي هدد الاتفاق السابق بين الخرطوم والقاهرة، إلا أن الخرطوم ظلت تقف في الوسط بين القاهرة وبقية دول الحوض، رغم استمرارها في التمسك باتفاق مياه النيل الذي وقعته في القاهرة في العام 1959، آخذين في الاعتبار دول المبادرة بما فيها المخاوف حول حماية الموارد المائية وكل دولة من دول المبادرة لها حق الانتفاع من الموارد المائية للمنظومة المائية لنهر النيل.