حوارات

والي الشمالية الأسبق ونائب أمين أمانة الشمال بالوطني “بدوي الخير” في حول مع (المجهر) حول الوضع السياسي والاقتصادي الراهن

*الانشغال بتعديل قانون الانتخابات والتعديلات الدستورية جعل المواطن يشعر بانشغال الدولة بقضايا لم يأتِ وقتها
*على الحكومة والمعارضة البُعد عن الخطاب السياسي المثير للاستفزاز والتصريحات التي تزيد الاحتقان السياسي والجفوة
*إيجاد حلول جذرية للأزمة الراهنة يحتاج لوقت طويل، ما لم نعالج مشاكل الإرهاب والديون والسلام
*غياب مؤسسات الحكم المحلي أوجد فراغاً إدارياً ساعد إذكاء الصراعات والاضطرابات في كثير من المناطق

حوار – نجاة صالح شرف الدين

دعا والي الولاية الشمالية الأسبق، ونائب أمين أمانة الشمال بالمؤتمر الوطني، والأمين العام السابق لهيئة المخزون الإستراتيجي والقيادي بالمؤتمر الوطني “بدوي الخير إدريس” الحكومة والمعارضة للجلوس والوصول إلى حلول مرضية، وشدد على أهمية الابتعاد عن الخطابات السياسية المثيرة والمستفزة، وكذلك البُعد عن التصريحات التي تزيد من الاحتقان السياسي والتي تحدث الفجوة بين شوائج المجتمع المختلفة وتؤدي إلى صعوبة الوصول إلى حل لهذا الوضع وخلق الاستقرار المطلوب فإلى مضابط الحوار:

*في بداية هذا الحوار كيف تفسر ما يجري الآن من تظاهرات امتدت وشملت كافة الولايات بما فيها ولاية الخرطوم؟
– إن القاسم المشترك في هذا الحراك والتظاهرات الضائقة الاقتصادية التي يعيشها الناس والحصول على ضروريات الحياة مثل الخبز والوقود والسيولة في المصارف المختلفة، وأن بعض الجهات المعارضة للنظام قد استغلت هذه الضائقات لخدمة أغراضها السياسية وهذا شيء طبيعي وحتى إذا انتهت هذه الضائقات المعيشية ستظل قوى المعارضة تعمل على استغلال هذا الموقف من وقت لآخر.

*في اعتقادك هل بالإمكان استيعاب هذا الوضع وإيجاد حلول سريعة للأزمات الماثلة والملفات الأخرى التي لازالت في حاجة إلى معالجات؟
– اعتقد إيجاد حلول جذرية لهذه الضائقات يحتاج لوقت طويل وخاصة وأن مشاكل الإرهاب والسلام والديون الخارجية تلعب دورا كبيرا في هذا الحصار الاقتصادي الذي نعيشه في السودان، وما لم نفلح لمعالجة هذه الملفات ستظهر هذه الأزمات والضائقات من وقت لآخر، فلا بد من السعي الحثيث لمعالجة هذه الملفات والاجتهاد مع الدول الصديقة لتوفير هذه الضروريات، ولا بد من تحريك أتيام معالجة أزمات الخبز والسيولة والوقود والجازولين والديون الخارجية ومواصلة اتصالات مع الجهات المعنية بهذه الملفات، ولدينا كسب كبير في اتصالات سابقة لهذه الملفات.
*ماذا عن ملف تحقيق السلام الدائم ، ألا ترى أنه أخذ وقتا طويلا؟
قضية السلام فإنني لا أرى سبباً أن تستمر كل هذه الفترة وأن أي وثيقة تقدم من الجهات ذات الصلة بالسلام وخاصة حاملي السلاح وغيرهم لا إشارة فيها للانفصال أو تقرير المصير أو الحكم الذاتي وعليه يجب دون تردد منحهم ما يريدون من موارد مالية في دائرة اختصاصهم في السودان، وسلطات إضافية وإصدار أوامر تأسيس خاصة بمناطق التمرد من ديوان الحكم الاتحادي لخلق الاستقرار المطلوب وإيقاف الصرف الكبير على الحرب وخلافه وبذلك تتوفر الموارد التي يمكن أن توفر لإزالة هذه الضائقات المعيشية.

*البعض يعزي غضب الشارع إلى إغفال الحكومة من قضايا معايش الناس والمتمثلة في توفير الضروريات الحياتية إلى جانب ارتفاع الأسعار بصورة جنونية وكذلك انشغال الحكومة أيضاً بقضايا أخرى لم يحن وقتها وعلى رأسها الاستعداد المبكر للانتخابات كيف ترى ذلك؟
{ حقيقة أن عدم الانشغال بهذه الضائقات ومعالجتها رغم اعتراف الحكومة بها والانشغال بقضايا قانون الانتخابات والتعديلات الدستورية جعلت المواطنين يشعرون بانشغال الدولة بقضايا لم يأتِ وقتها وكان يمكن توظيف هذا الزمن في حلول سريعة وإيجابية استجابة لنبض الشارع وقضايا المواطنين المتمثلة في هذه الضائقات، ويواصل “الخير” بقوله وكذلك مطلوب من المواطنين الجد والاجتهاد في رفع معدلات الإنتاج في كل ميادين الحياة حتى تتكامل الجهود بين الدولة والشعب.
*بصفتك خبير اقتصادي وكنت أميناً عاماً لهيئة المخزون الإستراتيجي كيف تفسر عدم اكتفاء البلاد من المحاصيل الزراعية المختلفة وعلى رأسها المحاصيل الإستراتيجية كالقمح والذرة؟
– نعم كانت هنالك صعوبات كبيرة في عملية الإنتاج ومدخلاته في الولاية الشمالية كتوفير الوقود ومدخلات الإنتاج الأخرى وارتفاع أسعارها وعدم تناسبها مع العائد المادي للمزارع مما جعل المزارعين يكتفون بمساحات محدودة وعدم معرفتهم كيفية تسويق المحاصيل التي يتم إنتاجها، ولكن الآن بعد إدخال شبكات الكهرباء في الزراعة قد ساعد كثيراً جداً في اختصار تكلفة الزراعة وارتفاع الإنتاجية التي تغطي وتفيض كأرباح للمزارعين مما ساعد ذلك كثيراً في التوسع الزراعي والذي سيزيد الكميات المنتجة في هذا الموسم، وهنالك مساحات جديدة تدخل لأول مرة في هذا الموسم الشتوي والمتمثلة في زراعة القمح والفول والبهارات بأنواعها المختلفة.
وأشير إلى أن المساحات التي كانت تتم زراعتها ما بين (60 – 70) ألف فدان وارتفعت الآن إلى ما يقارب ضعف هذه المساحات في هذا الموسم الشتوي فقط، وأضاف أنه من المتوقع دخول شبكات الكهرباء في الزراعة حتى تستمر عملية الزراعة طيلة العام بدلاً من موسم محدد، إلى إدخال تركيبة محصولية جديدة للموسم الصيفي مثل السمسم وزهرة الشمس والذرة الشامية والذرة الرفيعة مما سيؤدي ذلك إلى توسع زراعي كبير في الولاية الشمالية.
*من المعلوم أن الولاية الشمالية تعتبر من المناطق المنتجة لمحاصيل القمح والفول السوداني تحديداً ما هي المشاكل التي تعيق الاكتفاء الذاتي من هذه السلع الهامة؟
– في الماضي أن الحصول على مدخلات الإنتاج تواجه صعوبات كبيرة ولكن الآن الحصول على هذه المدخلات قد أصبح ميسراً إلى حد كبير من التشجيع وتحديد سعر الإنتاج مبكراً سيساعد إلى التوسع في زراعة هذه المحاصيل الإستراتيجية مثل سعر التركيز المجزي للقمح بصفة خاصة مما سيساعد ذلك على الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.

*في رأيك ما هي المبررات التي أدت لارتفاع أسعار القمح والفول السوداني حتى يصبح الحصول عليها بأسعار فلكية؟
– إن كل هذه الأشياء تخضع لقانون العرض والطلب فكل ما كان المعروض لهذه المحاصيل بكميات كبيرة سيؤدي إلى تحديد السعر المناسب الذي يتكافأ مع حوزة المستهلكين فعلى الدولة الجد والاجتهاد لتوفير مدخلات الإنتاج والحصول عليها بطريقة ميسرة وكذلك تحديد سعر التركيز المجزي والمشجع للإنتاج.

*كنت والياً للولاية الشمالية في فترة سابقة من الملاحظ أن الولاية الشمالية قد أصبحت ولاية طاردة وتشهد هجرة عكسية رغم أنها تتميز بتعداد سكاني كبير إلى ماذا تعزي ذلك؟
– نعم هذا صحيح ففي فترة ما كانت هنالك صعوبات كثيرة أدت إلى هذه الهجرة لداخل السودان وخارجه كالحصول على مياه الشرب النقية والطاقة وغيرها وأن اعتماد المواطنين على شريط النيل الضيق وصعوبة الحركة من الولاية إلى داخل السودان وخارجها، فاجتمعت كل هذه الطرق وجعلت المواطنين يرغبون في الهجرة ولكن الحمد لله فقد زالت معظم هذه الصعوبات وستكون الولاية جاذبة لأبنائها والآخرين وخاصة بعد ظهور الموارد المعدنية الكبيرة في أجزاء متقدمة من الولاية الشمالية مثل الذهب والمعادن الأخرى، والآن قد تضاعف تعداد سكان الولاية الشمالية، مما كان عليه في الماضي ولذلك يتطلب وضع رؤية جديدة لكيفية إدارة هذه الولاية وحسن استغلال هذه الإمكانيات وتوظيفها لمصلحة المواطن في الحاضر والمستقبل.

*الولاية الشمالية كان من المفترض أن تكون سلة غذاء العالم لما تتمتع به من مميزات كثيرة من مساحات زراعية شاسعة وأراضي خصبة لإنتاج مختلف المحاصيل الزراعية من قمح وذرة وفول ومحاصيل بستانية وبهارات الخ.. ورغم ذلك لازلنا نستورد العديد من المنتجات الزراعية وخاصة القمح؟
– لا بد أن أوضح هنا أن الولاية الشمالية وحسب الإحصائيات الزراعية بها ما لا يقل عن (14) مليون فدان صالحة للزراعة، ولا توجد الآن مناطق صحراوية في الولاية، وبعد التجارب الزراعية الناجحة لبعض الاستثمارات الزراعية في التروس العليا وأن الحوض الرملي النوبي به كميات كبيرة جداً من المياه الجوفية مما ستساعد لاستغلال هذه الأراضي لاستخراج التقنية الزراعية وأجزم بأن الولاية الشمالية وبالطرق التي تمددت وإخراجها من العزلة السابقة وتوفر وسائل الاتصال سيؤكد مقولة إن الولاية الشمالية هي (سلة غذاء السودان والأقاليم المجاورة).

*بحكم أنك كنت أميناً عاماً لهيئة المخزون الإستراتيجي لماذا اختلت الموازين لبعض السلع الإستراتيجية ونتحدث هنا عن إنتاج محصول القمح والذرة لأهميتهما القصوى؟
– نعم من الأخطاء التي ارتكبناها حل هيئة المخزون الإستراتيجي وإتباعها لإدارات البنك الزراعي إذ إن هذه الهيئة كان مصدر اطمئنان للمنتج والمستهلك وكانت تعمل على موازنة قوية جداً بزيادة معدلات الإنتاج وتوفير الاطمئنان للمواطن في الحصول على السلع الضرورية، وأوضح هنا أن في كل الدول التي قمنا بزيارتها فإن هذه الهيئة تتبع لرئاسة الدولة لأهميتها ولكن أن زيادة هذه الهيئة في إدارات البنك الزراعي أدى إلى هذا الاضطراب للمنتج والمستهلك وعلى الدولة إعادة النظر في عودة هذه الهيئة ورعايتها حتى لا يبرز هذه الصعوبات من وقت لآخر.

*إذن ما هو السبيل لمعالجة هذا الخلل والأخطاء هذا من جهة؟ ومن جهة أخرى ما هي أنجع السبل لمعالجة الأزمات الماثلة الآن؟ وما هي الآليات التي يمكن أن تساعد حسن إدارة الأزمات التي تمر بها في الوقت الحاضر؟
– أولاً لا بد من إعادة النظر في هيكل الدول واكتمال مؤسساتها في المستويات الثلاثة الاتحادي والولائي والمحلي وتحديد الأدوار لكل مستوى بصورة واضحة حتى نتفادى التضاربات التي تحدث من وقت لآخر، وقال إنه من المؤسف أنه منذ العام 2005م، قد أهمل مستوى الحكم المحلي إهمالاً كاملاً رغم أنه أقرب مؤسسات الحكم للمواطنين والتي كانت يمكن أن تلعب دوراً كبيراً جداً في خلق الاستقرار والأمن والطمأنينة للمواطنين حتى ينصرفوا لعملية الإنتاج وإدارة شؤونهم الحياتية بتضامن كبير مع مؤسسات الحكم المختلفة، ولكن أن غياب مؤسسات الحكم المحلي في ولايات كثيرة أدى إلى فراغ إداري وهذا بدوره قد يساعد على الاضطرابات والصراعات التي شهدتها كثير من مناطق السودان لأن مؤسسات الحكم المحلي تعتبر حكومات حقيقية لكل واجهات السلطة المعروفة التنفيذية والتشريعية والأمن والقضاء والإدارات الأهلية وغيرها، وكل هذه المؤسسات يتضامن مع بعضها البعض لأحداث النهضة المطلوبة في أطراف السودان مما يؤدي ذلك إلى نهضة شاملة في كل الولايات وعلينا نسرع لاكتمال هذه الهياكل وأن عدم وجود فراغ يساعد في كل مقومات النهضة.

*الساحة السياسية تشهد احتقاناً كبيراً انتقلت من مطالب معاشية لتوفير الضروريات الحياتية المختلفة إلى أزمة سياسية خاصة بعد تصريحات بعض السياسيين الذي أدى إلى إثارة حفيظة الشارع كيف يقيم الوقع السياسي الراهن في ظل هذه المعطيات؟
– بالنسبة للوضع السياسي الراهن لا بد من قراءة متعمقة وتقييم موضوعه لما يدور الآن في الساحة السياسية للوصول إلى حلول مرضية لكل الأطراف حكومة ومعارضة والبُعد عن الخطابات السياسية المثيرة المستفزة والبُعد عن التصريحات التي تزيد من الاحتقان السياسي وتحدث الجفوة بين شرائح المجتمع المختلفة والتي تؤدي بدورها لصعوبة الوصول إلى حل لهذا الوضع وخلق الاستقرار المطلوب الآن في مثل هذه الأوضاع التي تستنزف قدراً كبيراً من إمكانيات البلاد وتساعد على التدخلات الأجنبية والتي سندفع جميعاً الثمن الغالي ونتأسف عليه، لذا على الدولة أن تعلم بأنها مسؤولة من المؤيدين والمعارضين ورعايتهم جميعاً وأن عدم معرفة سيكولوجية المجتمع السوداني سيؤدي إلى عدم تخير الخطاب السياسي المناسب الذي يحدث الرضا السياسي المطلوب وعلى الدولة أن تتنازل كما سبق من ذي قبل في الحوار الوطني السابق وجلست مع المعارضين وحملة السلاح وتوصلت معهم إلى وثيقة وطنية لا بد أن يكون ذلك هو النهج المطلوب لمعالجة الوضع السياسي الراهن.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية