تقارير

“عاصم عمر” .. تفاصيل البراءة

بعد اتهامه بقتل شرطي

الخرطوم ـ المهدي عبد الباري
بعد عامين من حبسه، برأت المحكمة أمس (الثلاثاء)، طالب جامعة الخرطوم “عاصم عمر” المنتمي إلى مؤتمر الطلاب المستقلين، الجناح الطلابي لحزب المؤتمر السوداني المعارض، من تهمة قتل شرطي خلال تظاهرات طلابية، وأطلقت المحكمة سراحه فوراً.
وأصدر قاضي محكمة الخرطوم شمال “عاطف محمد عبد الله” حكماً ببراءة “عمر” من التهم المنسوبة إليه، بقتل شرطي بقنبلة حارقة “ملتوف”، أثناء احتجاجات طلابية إثر أنباء عن نوايا حكومية ببيع “جامعة الخرطوم” في أبريل 2016.
وكانت المحكمة العليا قد ألغت في أغسطس 2018، حكم الإعدام شنقاً بحق “عمر”، وأعادت ملف القضية إلى محكمة الخرطوم شمال، لمزيد من التحريات.
ووصف حزب المؤتمر السوداني في بيان وصل “باج نيوز” إعلان البراءة بأنه “نصر تحقق”.
وكانت المحكمة العليا قد أعادت ملف القضية وألغت عقوبة الإعدام التي أوقعتها عليه محكمة الموضوع تحت المادة (130) من القانون الجنائي القتل العمد، على خلفية اتهامه بقتل شرطي على إثر مظاهرات اجتاحت جامعة الخرطوم في العام 2016م، بإلقائه عبوة ملتوف على عربة “دفار”.
}تفاصيل ما حدث
احتج طلاب جامعة الخرطوم، على قرار البيع في أبريل 2016، وتمددت الحركة الاحتجاجية من داخل حرم الجامعة إلى وسط الخرطوم، وكان “عاصم” أحد الطلاب بحسب المعلومات، الذين عارضوا بشدة هذا القرار، وبعد اندلاع التظاهرة تحركت الشرطة إلى مكان الاحتجاجات لفض المظاهرة وأطلقت الغاز المسيل للدموع، وطاردت عدداً من الطلاب في اتجاه السوق العربي، وكان “عاصم” أحدهم بحسب الادعاء، وقدم للمحاكمة وحكم عليه بالإعدام، وأيدت محكمة الاستئناف قرار إدانته، إلا أن المحكمة العليا أعادت ملف القضية وألغت عقوبة الإعدام التي أوقعتها عليه محكمة الموضوع تحت المادة (130) من القانون الجنائي القتل، وتباينت الأقوال واختلفت الروايات حول حقيقة شكل ولون بشرة المتهم “عاصم” وملابسه التي كان يرتديها، بينما اتفقت شهاداتهم على أن المتهم هو من قذف عليهم ملتوفاً حارقاً داخل دفار الشرطة الذي يستغلونه في المطاردة، بالقرب من عمارة الذهب، ما أسفر عن وفاة أحدهم وإصابة بقيتهم حسب الدعوى.
}أكاذيب وبطلان
ظهرت دلائل البراءة منذ سماع أقوال أوائل الشهود المضمنين في مذكرة المحكمة العليا، حيث تباينت أقوال أفراد شرطة الشغب وآخرين (شهود الاتهام)، في قضية قتل شرطي حرقاً بملتوف وإصابة عدد منهم، وامتلأت بالأمس، القاعة الكبرى بالحضور، وضجت بزغاريد الفرح والتهليل بعد إعلان الحكم ببراءة الطالب “عاصم عمر”، ومن ثم خرج الحضور أمام المحكمة في ظل إجراءات أمنية مشددة خارج وداخل المحكمة.
}إطلاع وتقصٍ للحقيقة
نوه قاضي المحكمة إلى أنه تفحص ملف القضية جيداً منذ محضر التحري، وتحقق في أقوال شهود الاتهام أكثر من عشر مرات للاطمئنان على اتخاذ القرار، وأفاد بأنه كان يخرج بأسئلة متعسفة لا يجد لها إجابة، وقال إنه بعد التحقق في النظر الجيد في القضية، وجد أن الشك يفسر لصالح المتهم بسبب تضارب أقوال الشهود، وأن العدالة لا يضرها الافتراء على أحوال الناس، لافتاً إلى أن خير للإمام أن يخطئ في العفو من أن يخطئ في الإدانة.
}رد الشهادة
تناولت المحكمة كل أقوال شهود الاتهام بما فيهم شهود ضمنتهم المحكمة العليا في مذكرتها بعد إعادة الملف مرة أخرى، تبين من خلالها الكذب وعدم الصدق، الأمر الذي أشار إليه القانون برد الشهادة إذا ثبت كذبها وتلفيقها، ونوهت المحكمة إلى أن محضر التحري كشف اختلاف شهادة الشاهد الواحد نفسه عند سماعها، كما أن معظمها تم أخذها في اليوم الثاني من الجريمة، ولم يتم التأكد حتى لحظة القرار من هوية مطلق الملتوف على سيارة الشرطة، بيد أنهم وبعد مرور (5) أشهر، أجمعوا على أن المتهم “عاصم عمر” هو من قام بقذف الملتوف عليهم، بينما اختلفت أقوالهم في وصفه، وقال القاضي إن شهادة الشهود تعمدوا فيها الكذب في كثير من الوقائع ويحق لنا أن لا نعول عليها وعدم الاطمئنان لها، حيث نفى بعضهم مشاهدته للمتهم عند يوميات التحري، وعدم تذكرهم لوجود القتيل بالدفار يوم الحادث، إلا أنه عند سماع إفاداتهم بالمحكمة جهراً أمامها، اتضح فيها أنهم التقوا ببعضهم للاتفاق على قول واحد للإشارة بأن المتهم هو من قذف عليهم الملتوف، ولكن تبين ذلك في وصف ملابس وطول وحجم جسم المتهم ولون بشرته وطول شعره، حيث اختلفوا في تحديد لون الفانلة التي كان يرتديها وقت وقوع الحادثة.
}سوء في التحري
أشار قاضي المحكمة إلى سوء التعامل في محضر التحري والعديد من المخالفات من قبل المباحث على الرغم من اجتهاد شرطة الولاية في عرض طابور الشخصية للمتهم على شهود الاتهام، إلا أنها ضربت بالقانون عرض الحائط وانتهكت حق المتهم، ما يعتبر تقصيراً للشرطة، وتلاحظ أن جهاز الأمن طالب بحضور شاهد آخر ورد اسمه على لسان أحد شهود الاتهام، لسماع أقواله في التحري.
}شهادة أنارت الحق
أفرد القاضي شهادة شاهد الاتهام الأخير بأنها أتت لتبرهن وتؤكد أن المتهم كان موجودا بالجامعة يوم الحادث، وكأنه نجم ثاقب أضاء لنا حقيقة لم نكن نراها وأن معظم الشهود مالوا إلى الكذب وكانت إفاداتهم ملفقة ومعتمة كالظلام، ومن خلال إفادات الشهود وإنكار المتهم لم يثبت الركن المادي في الدعوى، عليه قررت المحكمة براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه وإطلاق سراحه فوراً.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية