ربع مقال

عندما يتحاور السودانيون..!!

د.خالد حسن لقمان

.. ظرفان مكانيان فقط هما اللذان أسلم نفسي فيهما سريعاً للنعاس والنوم.. الأول عندما أضع رأسي على مقعدي في الطائرة.. ففور الصعود المقلق للطائرة عند إقلاعها من أرض المطار وبعد شيء من الهدوء الحذر.. أسقط رأسي إلى الخلف وسرعان ما أغرق في نوم مفاجئ لا يحرمني منه سوى صوت موظفي وموظفات الضيافة الجوية بحركتهم وهم يؤدون مهامهم في تقديم ما يجب تقديمه لركابهم.. أما المكان الثاني فهو بالطبع عندما أسلم رأسي طواعية للسيد (غزالي) صاحب الأصابع الذهبية في معالجة فوضى رأسي.. ولكن بالأمس.. لم أتمكن من ممارسة هذه العادة بين يدي (غزالي) الذي يتحرك بحرفيته العالية بجوار رفيقه المبدع الفنان (غازي).. وذلك بفعل حوار قوي شهده صالونهما الذي يعد من أعرق صالونات الحلاقة في الخرطوم.. شاب في منتصف الثلاثينيات وجد نفسه فجأة محاطاً بعدد من زبائن الصالون المعترضين على طرحه المدافع عن سياسات الحكومة ومواقفها وما حققته من نجاحات وما سقطت فيه من إخفاقات.. وقد استطاع هؤلاء الكيل للشاب خاصة في جانب الإخفاقات الاقتصادية للحكومة والتي أدت إلى الاحتجاجات الشعبية الأخيرة.. ولكن بالمقابل دافع الشاب عن الحكومة دفاعاً قوياً ومدهشاً عارضاً ما أنجزته في مجال التعليم العام والعالي والطرق والكباري والمشروعات الصناعية والزراعية والخدمية المختلفة.. مركزاً على رفع مستوى المعيشة ونقل المجتمع إلى عالم الاتصالات والتقنيات الحديثة وغير ذلك من المنجزات.. وبالمقابل واجهه خصومه بكيل من الاتهامات حول تدمير مشروع الجزيرة وسودانير وإفقار الشعب وملفات الفساد والعودة إلى مشاهد الندرة ووقوف الناس ومن جديد وبعد ثلاثين عاماً في صفوف الوقود والخبز.. كان الحوار ساخناً وجريئاً ومباشراً حتى لم يبقَ لكلا الطرفين ما يستر به سوءته.. ولكن المدهش أن كل هذه الحدة التزم خلالها الطرفان باحترام لغة الحوار للمستوى الذي وصلا فيه لنقاط اتفاق مشتركة بتنازل موضوعي لكليهما عن بعض ما تمترسا به خلال الحوار الساخن الذي حرمني من ممارسة هوايتي.. إلا أنه منحني أملاً في أن يأخذ هؤلاء الشباب وبهذه الروح العالية والمسؤولة في حوارهم.. هذا البلد العزيز إلى مرافئ السلام في مستقبل يبنيه الحوار الجمعي المشترك بين أبناء الوطن الواحد دون إقصاء لأحد على أي مستوى أو وجه للفرقة والشتات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية