أخبار

العُملة النادرة

مجرد ذكر العُملة النادرة.. يذهب عقل القارئ مثل ذاكرة الهاتف الذكي يحفظ بعض الكلمات ويستدعيها بلمس حرفين من الكلمة إلى المحفوظ في عقل الهاتف الذكي.. والدولار أصبح هو العُملة الوحيدة النادرة في كل العالم وإلى جواره اليورو أغلى ثمناً.. ولكنه في بلادنا عُملة غير سوقية.. والعُملات النادرة التي لا معايرة لقيمتها هم العلماء.. في التخصصات النادرة.. مثل الطب الباطني.. وطب القلوب.. والأعصاب.. وعلم الأجنة والهندسة الوراثية.. في سنوات مضت هجمت أوروبا والولايات المتحدة على العقول وبحثت عنها في كل بقاع الدنيا من أجل تطوير نهضتها العلمية وهاجر إلى ما وراء المحيطات والبحار العلماء الأفذاذ بحثاً عن التطور.. وتحسين التحصيل الأكاديمي.
وهروباً من الواقع الاقتصادي والسياسي ومناخ التعليم العالي والأستاذ الجامعي يمثل قيمة رفيعة لا يقدر ثمنها بالدولار ولا اليورو.. وقد لا يرهق صانع القرار نفسه كثيراً للحصول على ألف وزير وثلاثة آلاف والٍ وسبعة آلاف معتمد ووزير ولائي.. ولكن هل يجد وزير التعليم العالي مائة أستاذ جامعي من الكفاءات النادرة؟ ولماذا لا تحافظ بلادي على من أغلى من الذهب والفضة والدولار واليورو؟.. وحينما خرجت مجموعة من أساتذة جامعة الخرطوم في وقفة احتجاجية يوم الأحد كان منتظراً أن يخرج إليهم زميلهم في جامعة الخرطوم وأستاذ بعضهم في كلية الآداب البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” رئيس البرلمان، ويخاطبهم بالحسنى ويفتح قلبه ومكتبه لاستقبال أساتذة جامعة الخرطوم، بدلاً من تولي الشرطة تفريقهم بقوة واعتقال بعضهم مثل سائر المحتجين على الأوضاع والمتظاهرين من أجل إسقاط النظام.. وحينما أدركت الحكومة خطأ التعامل الذي لا يليق بالأستاذ الجامعي، تم تشكيل وفد من وزير التعليم العالي د.”الصادق الهادي المهدي” وهو شاب تذوق مرارة الاعتقال وهو طفل صغير ووالده قتيل، ودم عشيرته يسيل في الطرقات.. وقديماً قيل لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها.. وضم الوفد الفريق “جلال الدين الشيخ” نائب المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، وهو شخصية تجبر حتى من يخالفونه الرأي والموقف والانتماء لاحترامه وتقديره.. لبعده التام عن (الكلام الشين) واستقامته وثالث أعضاء الوفد مدير جامعة الخرطوم قدم الوفد اعتذاراً لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.. وأصدر الفريق “جلال الشيخ” قرارات بإطلاق سراح كل أساتذة الجامعة المقبوض عليهم في الوقفة الاحتجاجية أو في أي تظاهرة أخرى.. وبروح العلماء تقبل أساتذة جامعة الخرطوم مبادرة الوزير الطبيب “الصادق الهادي”.. وبحكمة وهدوء خرج أساتذة الجامعة من الحبس إلى القاعات في انتظار استئناف الدراسة بالجامعات التي أغلقت وتضرر الطلاب من التظاهرات الاحتجاجية ولم تعد ثمة مبررات الآن لإغلاق الجامعة بعد أن (انقشعت الأزمة) وعادت الخرطوم لصخبها، والحياة لطبيعتها رغم الإعلانات السياسية التي يسعى البعض لاستدامة (الأزمة) وتصعيد المواجهات!!

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية