المحك في الرقابة على الأسواق
أجيزت الميزانية العامة الجديدة للدولة قبل أيام، ودخلت حيز التنفيذ وهي تحمل الكثير من البشريات لمعالجة الاختلالات الاقتصادية التي عقدت الأوضاع في البلاد وتأثر بها المواطن، ولكن لسوء الأسف يغيب أهم عنصر لإدارة شأن الاقتصاد، وهو الرقابة على السوق، مشكلة الخبز لم تكن إلا نتاجاً لغياب الدور الرقابي للمحليات واللجان الشعبية والأجهزة ذات الصلة، فكانت النتيجة تصرف بعض المخابز في (كوتات) الدقيق المدعوم لمعامل الباسطة والحلويات كما أقر السيد رئيس الوزراء القومي بنفسه، وينطبق ذات الأمر على المحروقات التي تتسرب خارج البلاد إلى دول الجوار التي باتت بسبب غياب الرقابة تشاركنا في الدعم الذي توفره الحكومة للمواطن البسيط وليس الغني وللأجانب في دول الجوار.
كتبت أكثر من مرة عن عنصر الرقابة على الأسواق التي لم يعد هناك من يحكمها أو يسأل التجار الذين يبيعون كيفما يرون ومتى ما يريدون، أجابت الميزانية الجديدة على المشكلة الاقتصادية الراهنة ووضعت لها خارطة طريق للمعالجة، ولكن لسوء الأسف فإنها لن تجدي نفعاً ما لم تُجد الحكومة في مسألة الرقابة، فشكل السوق اليوم أسعار متعددة وجشع ما بعده جشع، ارتفاع في الأسعار بلا مبرر، والكل يتكئ على أن السوق حر، وأن سياسة التحرير الاقتصادي ما تزال قائمة، وإلا على الدولة الإعلان عن وفاتها هكذا يقول التجار، فحق لهم أن يقولوا كذلك طالما أن أجهزة الدولة تترك لهم العنان لتحويل سياسة التحرير إلى فوضى تبلغ فيها الأسعار عنان السماء ولا حياة لمن تنادي.
لن ينصلح الحال، بل سيمضي في تعقيد ما لم تكن هناك أجهزة رقابية على الأسواق، وما لم تقم أجهزة الحكم الاتحادي بمستوياتها كافة، بدورها المناط بها سواء كانت الولايات أو المحليات أو اللجان الشعبية كمستوى حكم شعبي أصغر يكون ذراعاً مساعداً للمحليات للقيام بدورها.
ستتعامل الشركات مع الدواء كأي سلعة قابلة للزيادة وليس النقصان، يرفعون الأسعار وقت ما يريدون وكيف ما يحلو لهم، والذريعة في ذلك أن السوق الحر حتى لو كان الثمن حياة مواطن لم يتمكن من شراء الدواء بسبب ارتفاع سعره، ينطبق هذا الأمر على الوقود بأنواعه وستظل دول الجوار تشارك المواطن السوداني الدعم وتزاحمه فيما يستورده لسد حاجة البلاد ما لم تقفل الدولة كافة الثغرات والجهات.
تحتاج الحكومة أن تقرأ الأوضاع بصورة جيدة وتقفل كل المنافذ التي ينفذ منها الإخفاق، وتعد العدة الحقيقية للمعالجة وأن لا تنتظر المجهول.. والله المستعان.