تقارير

يوم الجلاء …يوم مشهود في تاريخ البلاد

مقداره تسعون يوماً

ود مدني: زهر حسين
تعيش البلاد هذه الأيام ذكري الاستقلال المجيد ، (63) عاماً مرت على ذلك التاريخ ، وقد لمع عدد من المؤرخين والكتاب الذين نقلوا لمحات من تاريخ السودان بتجسيد كامل لنضال السودانيين ضد المستعمر، فقد كتب “علي حامد”: (صفحات من تاريخ الحركة الوطنية السودانية ) ،وكتب السير “جيمس روبرتسون” (السودان من الحكم البريطاني المباشر إلى فجر الاستقلال ) تعريب “مصطفى عابدين الخانجي” ، وسنتناول في هذه السانحة الكاتب الكبير “محمد عامر بشير” مترجم الجمعية التشريعية في العام (1948-1953) وكاتب المجلس والشيوخ (1953-1955) وكاتب مجلس النواب (1955-1958) الذي كتب عن الجلاء والاستقلال ، ونقلنا إلى تفاصيل الجلسة الاستثنائية داخل مجلس النواب في جلسته رقم (33) في دورته الثالثة في يوم الثلاثاء 16 أغسطس سنة 1955 والتي تعتبر من الجهود التي توج بها السودان استقلاله ورفع علم السودان عالياً وكتب اسمه بحروف من نور واختار مكانه باكراً بين الدول في اختيار الجلاء والاستقلال.

الكاتب الفذ “محمد عامر بشير” يؤرخ لجلسة مجلس النواب رقم (33) في دورته الثالثة ، وذلك في يوم الثلاثاء 16 أغسطس سنة 1955 حيث وقف السيد “إسماعيل الأزهري” رئيس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع قائلاً : سيدي الرئيس أرجو أن اقترح أن يقدم خطاب إلى الحاكم العام بالنص التالي 🙁 نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعرب عن رغبتنا في الشروع في اتخاذ التدابير لتقرير المصير فوراً ونرجو من معاليكم إخطار الحكومتين المتعاقدتين بهذا القرار بمقتضى المادة التاسعة من الاتفاق بين الحكومة المصرية وحكومة (الملكة) المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال ايرلندا بتاريخ 12 فبراير سنة 1953 بشأن الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان) .
وأضاف : اقترح هذا في هذا اليوم ، يوم ليس مقداره (50) ألف سنة ،يوم مقداره (90) يوماً مما نعد تنقص ولا تزيد.
إنه يوم الجلاء
يوم الجلاء في الماضي والحاضر أقعد كثيراً من الأمم والشعوب والممالك أقعدها عن الاستقلال التام والسيادة الكاملة ، ذلك هو يوم الجلاء فالإرادة الأجنبية الاستعمارية تتقلص وتزول في كثير من الأمم والشعوب والممالك ،والتدخل الأجنبي في الدين والتقاليد والأخلاق يتقلص ويزول في كثير من الأمم والشعوب والممالك ولكن جيوش الاحتلال والاستعمار تبقى أبداً (تبقى) _ لا تتقلص ولا تزول. ويسترسل “الأزهري” في كلمته مخاطباً النواب إلى أن يقول : والحاكم العام يخبر الدولتين مصر وبريطانيا برغبتكم هذه فتتحرك مصر وتتحرك بريطانيا وتتحرك سكة حديد السودان تروح وتجئ بالليل والنهار حتى يخرج آخر جندي من القوات المصرية والبريطانية المرابطة بالسودان لتحقيق رغبتكم كاملة غير منقوصة ويتم الجلاء ويتحرر الشعب ويصبح السودان مستقلاً استقلالاً تاماً وسيداً سيادة كاملة ، لا بسيف ولا بدماء بل بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).
وما قول الأقزام ؟
ثم ماذا بعد ذلك مما يقع تحت رغبتكم.
يختار الشعب الوضع السياسي للبلاد، ويا حبذا بالاستفتاء الشعبي المباشر ، نعمة اليوم السامية فيحتل السودان مكانه المرموق بين شعوب العالم الحرة البانية المحبة للسلام.
والله ولي التوفيق.

أعقبه السيد “صديق عبد الرحمن المهدي” (كوستي شمال) قائلاً :
السيد الرئيس
إن تقرير المصير حق طبيعي لكافة شعوب العالم ، وإن الاتفاقية الإنجليزية المصرية لم تشمل نصوصها ما هو أعظم شأناً وأجل خطراً من الاعتراف بممارسة السودانيين لحقهم الطبيعي في تقرير مصيرهم في جو حر محايد وقت تهيأت أول أسباب الجو الحر المحايد بعد أن أنجزت لجنة السودنة مهمتها بسرعة وجدارة استحقت شكرنا وتقديرنا جميعاً، وها نحن نجتمع اليوم لنقر الخطوة الثانية التي تهدف إلى اتخاذ التدابير اللازمة لجلاء جيش الاحتلال من البلاد….الخ .
وكان المتحدث الثالث في تلك الجلسة التاريخية السيد “فلمن ماجوك (يرول) قال :
سيدي الرئيس
أقول بوصفي من ممثلي المديريات الجنوبية وكعضو في جناح الحكومة يتحدث الآن كسوداني أقول إنه ليشرفني حقاً أن أشترك في المداولات حول هذا الاقتراح الذي سيفتح صفحة جديدة في تاريخ السودان الجديد الحر المستقل الموحد…. الخ.
وكان المتحدث الرابع “ميرغني حمزة” (أم درمان شمال) الذي تحدث وأبلغ في الوصف والتعبير في المطالبة بحق تقرير المصير.
وكان المتحدث الخامس في الجلسة التاريخية السيد “بوث ديو” (وادي الزراف) ، وقد دافع عن القرار وشعر بالفخار في تحقيق هذا الهدف الأخير وهو تقرير المصير، وقال : إنني أؤيد بقوة جلاء القوات الأجنبية.
أعقب السيد “بوث ديو”، السيد “محمد نور الدين” (حلفا) حيث قال : في قاعة المجلس الوطني يشهد التاريخ معهم هذه اللحظات الخالدة مولد الحرية للشعب السوداني وللوطن السوداني والقومية السودانية. تلاه السيد “حسن الطاهر زروق” (الخريجين) ، والذي أعرب عن رغبتهم في البدء فوراً في اتخاذ تدابير تقرير المصير، والذي تعبر عنه رغبة شعبنا في أن يسير إلى الأمام نحو انتزاع كامل حريته واستقلاله التام .
وفي التعقيب على المداولة في الاقتراح، قال السيد “محمد أحمد محجوب” (زعيم المعارضة) : يحق لنا في هذا اليوم العظيم أن نستعيد تاريخ هذه البلاد في إيجاز، وما ذلك إلا لأن يومنا هذا أو ما سنحرزه فيه من نصر ليس عمل جيلنا هذا وحده ، ولكن الفضل في نيل شرفه يرجع إلى آبائنا وأجدادنا.
واختتم الحديث بهذا التعقيب على المداولة في الاقتراح من السيد “مبارك زروق” (زعيم المجلس ) قال : كما مرت بنا أيام كثيرة ستمر بنا أيام كثيرة سوف تذهب وتطوى في زوايا النسيان إلا أن يوم 16 أغسطس وأشباهه من الأيام سيظل من أيام السودان الخالدة التي تسجل بارزة في صفحات التاريخ لأن فيها يصنع التاريخ .
بعد ذلك وقف السيد الرئيس وطرح الموضوع لأخذ الرأي وهو أن يقدم خطاب إلى معالي الحاكم بالنص التالي :
(نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعرب عن رغبتنا في الشروع باتخاذ التدابير لتقرير المصير فوراً ونرجو من معاليكم إخطار الحكومتين المتعاقدتين بهذا القرار بمقتضى المادة التاسعة من الاتفاقية بين الحكومة المصرية وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال ايرلندا بتاريخ 12 فبراير سنة 1953 بشأن الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان) .
هذا وقد أجيز الاقتراح بالإجماع .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية