كثيراً ما كنت أحتفي أيما احتفاء ببعض أفلام ومسلسلات المصريين التي ينزعون للتكريس لوطنيتهم خلالها وهم لا ينفكون إدراج الأغنيات الوطنية وحشدها في سيناريوهاتها ومن ثم يصقلونها بأداء رصين وفائق الجودة لدرجة تفاعلك معها بكاءً أو تأسياً.
للحق فقد أفلح المصريون على مدى العصور، في عكسهم لهذه الصورة الوطنية الرائعة وامتدادها حتى العهود الحالية، ومحاولاتهم أبداً في تجميل صورة بلادهم لدى الغرباء حتى وإن كانت لديهم بعض المآخذ، يتحفظون عليها أو يغبشونها، ولو ساقك (الشمار) لجر أحدهم للحديث عن الأوضاع في بلاده، فستخرج خاوي الوفاض وعبثاً تذهب محاولاتك أدراج الرياح، بل العكس ستجده هو من ساقك للحديث عن الأوضاع في بلادنا والتي بجهل أو بعلم يتابعونها عن كثب.
للحق تعجبني أيضاً هذه الحصافة التي اعتبرها نوعاً من الوطنية بخلاف ناسنا الذين يندلق بعضهم في أقرب منعطف مشككاً ومقللاً من دور الحكومة أو خلافه، وهو لا يعي أنه بهذا يهين بلاده وشعبه في المقام الأول.
قلت إنه كثيراً ما تعجبني وطنية الإخوة المصريين التي تجسدها درامتهم على مر تاريخهم، وهذا لا يعني بالضرورة أننا شعب ضعيف الوطنية، بل العكس لكن ظلمة الإعلام والترويج لما في جعبتنا من وطنية متأصلة خلدتها أغنيات ظلت كالتعاويذ تتلى في مناسبات بعينها، ومنها احتفالات البلاد هذه الأيام بذكرى الاستقلال المجيد، والذي ارتبط بشخصيات سياسية وفنية وتاريخية كان لها القدح المعلى فيه للحد الذي أقلق المستعمر ودفعه لإخراس بعض أصوات المغنين التي انطلقت بها حناجرهم هنا وهناك وألهبت جذوة الحماس، فسعت لإسكاتها بشتى السبل، فمنعت المخابرات البريطانية الفنان “الشفيع” من ترديد أغنية (وطن الجدود)، وأدخلت أغنية (يا غريب يلا لبلدك) “العطبراوي” سجن الدامر.. أو كما أورد الأستاذ “صلاح الباشا” في عدد الأمس.
والفنان “العطبراوي” تحديداً، يعتبر رمز الوطنية والنضال وهو يشد من عضد عمال السكة الحديد الذين خرجوا مطالبين بحقوقهم في عطبرة معقل الثورة وقتها وحاضنتها الشرعية.
قلت إن بعض الأغنيات الوطنية بمثابة تعويذة تتلى عند الحاجة، أو فلنقل إنها صالحة لكل زمان كأغنية (مرحبتين بلدنا حبابا) للشاعر الدكتور “شمس الدين حسن الخليفة”، وتحضرني هنا بعض الأبيات التي تنفع كنصيحة تسدى هذه الأيام:
نخلص ونمشي بروح واعية .. لوحدتنا دائماً داعية
زي كل الشعوب الساعية .. لسمعة بلادها مراعية
وأيضاً:
حق الدولة يا هو اللينا .. حفظوا أمانة في عينينا
قولة أنا مالي حاجة مشينة .. لا تشرفنا لا بوركينا
وأخيراً وهو الأهم:
بس من غير وفاق ووئام .. تب ما بنمشي لقدام