عز الكلام

الاحتجاجات .. دروس وتضحيات!

ما حدث في الأيام الماضيات من احتجاجات ومظاهرات كانت تجربة مريرة بمعنى الكلمة، وامتحاناً عسيراً مررنا به جميعاً وخسائر هي الأفدح والأعلى كلفة في هذه القصة، لأن فيها أرواح بريئة زهقت نحتسبهم جميعاً عند الله شهداء، لكن التجربة رغم مراراتها كانت مفيدة ومهمة وفرصة منحنا الله إياها مجدداً بأن لا ينفرط عقد هذا البلد ويتحول إلى واحد من البلاد التي سقطت وما عادت لديها مقدرة على التعافي والنهوض، والتجربة برمتها فيها الكثير من الدروس المستفادة والمهمة لكلا الأطراف، ستكون كارثة إن لم نستفد منها ونضعها نصب أعيننا تماماً، وأول الدروس وأهمها أكد أن شعب السودان لا زال قادراً على أن يعبر عن مطالبه وحقوقه لا ترهبه قوة ولا يمنعه جبروت، وبالتالي رسخ للمبدأ الأهم وهو أن الشعوب لا تموت حتى وإن طال نومها. الدرس التاني كشف ضعف الأحزاب السودانية وأكد أنها لا تملك سلطة ولا سلطاناً ولا حتى قبول عند الشعب السوداني وأنها مجرد لافتات قديمة وبالية فشلت كل دعواتها السابقة في توجيه الشعب السوداني نحو عصيان مدني أو احتجاج وظلت جميعها دعوات بلا استجابة، ويوم أن قرر الشعب الخروج (مرق) من غيرها ولم يمنحها شرف قيادة المقدمة.
والدرس التالت يجب أن تستوعبه الحكومة التي منحها المواطن الفرصة تلو الأخرى وهي أن كل ما اتخذ من سياسات في الفترات الماضيات لم تكن فيه جدية ولا إرادة ولا تصميم على التغيير الحقيقي، ولو أن الحكومة كانت جادة في اتخاذ الطريق الصاح نحو إصلاح سياسي واقتصادي تجز به جذور الفساد وتنظف المؤسسات التي يدور حولها (الكلام)، لفعلت، لكن الحكومة للأسف وضعت يدها في الموية الباردة وظنت أن سكوت الشارع هو موت إكلينيكي حتى حدثت الاحتجاجات الفائتة وهي احتجاجات تلقائية مشروعة لم يرتفع فيها سقف المطالبات السياسية، واكتفت في أكثرها بالتنديد بالوضع الاقتصادي، لأنها كانت احتجاجات بلا قيادة ولا قائد ولا رمز، وهو ما يؤكد بلا جدال أن الجيل الحالي كافر بكل القيادات المطروحة الآن على الساحة السياسية، وبالتالي الفرصة سانحة لقيادات الحزب الحاكم الموثوق بها أن تعيد شعبيتها وتسجل حضورها بإصلاحات حقيقية وجادة هي الحل الأمثل والمنطقي لتجاوز المرحلة، لأن أي بدائل أو حلول مبنية على فرضية أن تقود بلادنا هذه الأحزاب الفاشلة الضعيفة، هي فكرة مرفوضة من أساسها، والدرس المهم الذي أبرزته الاحتجاجات الأخيرة أنها كشفت للحكومة والحزب أنهما يحتاجان إلى ترتيب بيتهما الإعلامي الذي وضح أنه مسقوف بسقف مستعار لم يمنع عنها درجات الحرارة المرتفعة ولا زخات المطر وهدير الصواعق، وإعلامها للأسف ظل متفرجاً كما يفعل دائماً في القضايا المهمة ولا يملك أبجديات زمام المبادرة، لأنه إما هو في حالة نكران للحقائق أو بذل محاولات التكتم وهي محاولات فاشلة في ظل سماوات الإعلام المفتوح والخبر الذي تلتقطه كاميرات الهواتف في كسر من الثانية وتنقله لكل العالم.
في كل الأحوال هذه الأحداث العاصفة يجب أن تجعل الحكومة حريصة على ممارسة الشفافية وجلد الذات والاعتراف بالأخطاء، وما كل مرة تسلم الجرة!!
}كلمة عزيزة
الشباب الذين استشهدوا في الأحداث الأخيرة خرجوا إنابة عن قضايا شعبهم ومطالبه العادلة، لذلك تستحق دماؤهم الغالية أن تكون الحكومة الأكثر إصراراً على إصلاح حقيقي حتى لا تضيع هذه التضحيات هباءً منثوراً.
}كلمة أعز
اللهم أحفظ بلادنا من الفتن وأجمع أهلها على كلمة سواء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية