… يواجه والۑ ولاية القضارف الجديد، العميد أمن “مبارك محمد شمت محمد”، الذي عين خلفاً لوالۑ القضارف الراحل “ميرغني صالح سيد أحمد” الذي استشهد في حادثة تحطم طائرة بمحلية القلابات، يواجه عدداً من الملفات الصعبة في أجندة حكومة الولاية، في مقدمتها مشروع الحل الجذري للمياه، الذي قطع فيه الوالي الراحل شوطاً كبيراً، إلا أنه شابته بعض الشوائب مؤخراً، إلى جانب الملفات السياسية التي تتمثل في استكمال عمليات البناء القاعدي لحزب المؤتمر الوطني، في ظل ظروف مالية معقدة يعاني منها الحزب بالولاية.
بيد أن تعيين الوالي الجديد الذي جاء عقب تداعيات موجة الاحتجاجات العنيفة والعاصفة التي شهدتها الولاية ضد الغلاء والضائقة المعيشية، ووصفها مراقبون بأنها كانت الأعنف على مستوى السودان، وخلفت عددا كبيرا من الضحايا، فضلاً عن الخسائر المادية، مما حدا بالسلطات في الولاية إعلان حالة الطوارئ وإغلاق المدارس والجامعات بكافة أنحاء الولاية، يرى مراقبون بالولاية أن الملفات والأزمات والقضايا الساخنة والحساسة سوف تلقي بظلالها على مجمل المشهد السياسي، وتثقل كاهل الوالي وتؤثر على أدائه في إدارة الحُكم، فضلا عن الكلفة السياسية الباهظة التي متوقع تسديدها المؤتمر الوطني جراء تلك الاحتجاجات، والتي قد تسهم في مزيد من التعقيدات حول كيفية التعاطي والتعامل مع معطيات صعبة على ضوء تدهور الأوضاع الاقتصادية وكيفية إيجاد تدابير اقتصادية وسياسية لمعالجة وتدارك وتجاوز حالة الإحباط والاحتقان الشعبي وامتصاص موجة الغضب والغليان الذي خيم على المشهد السياسي.
الجهاز التنفيذي لحكومة الولاية الحالية فشل في التعامل مع تلك الاحتجاجات في ظل فراغ دستوري عاشته الولاية عقب استشهاد الوالي “ميرغني صالح”، وأبرز تلك الملفات هي قضية الفقر الذي اتسعت وتمددت رقعته وسط مواطني أغنى ولاية زراعية بالبلاد، وترجمت حالة الفقر والمسغبة حين انكب عدد من المتظاهرين في سرقة المواد الغذائية الخاصة بنفرة الزكاة من المخازن بعد تأخير النفرة لأسباب بروتوكولية من قبل وزيرة الصحة والتنمية الاجتماعية لأكثر من ثلاث مرات حتى حدثت الهبة الشعبية التي شهدتها الولاية وحينها كانت الوزيرة التي تشغل موقع نائب الوالي خارج الولاية، الأمر الذي أدى إلى حدوث ربكة وإخفاق واضح من قبل الجهاز التنفيذي للتعامل مع الأحداث التي توسعت رقتها في ظرف ساعات وعمت كافة أرجاء مدينة القضارف.. يرى مراقبون أن مهمة الوالي صعبة وعسيرة في بسط التنمية، في ولاية تعاني من انعدام مشروعات البنية التحتية خاصة مجال الطرق إذ تفتقر الولاية للطرق المسفلتة، وتعاني من توقف العمل بعدد من الطرق الحيوية كطريق الحواتة المفازة الفاو إلى جانب بطء العمل في طريق سمسم أم الخير وتوقف العمل في طريق الشواك أم براكييت الحمرة، وقال الدكتور “محمد يوسف” خلال حديثه (للمجهر) إن مهمة الوالي الجديد ليست بالسهلة إذ إن الوالي الراحل ترك وراءه تركة ثقيلة من ملفات التنمية خاصة مشروع مياه القضارف الذي بدأ العمل فيه منذ أربع سنوات إلا أنه لم يرَ النور حتى الآن، وهناك كثير من الجدل حول كيفية إدارته، ويحتاج هذا الملف من الوالي إيجاد حلول حقيقية وجذرية، ويوضح “يوسف” أن صعود الوالي من معتمد لمحلية وادي حلفا إلى منصب الوالي لا يعتبر قياسا لأدائه ولا يقدح في قدراته في إدارة سُدة الحُكم، وأضاف إن الملف الأمني يعتبر من الملفات الحساسة والصعبة لأبعاده الأمنية مع الجارة إثيوبيا خاصة قضية الحدود التي أحدث فيها الوالي الراحل تقدما ملحوظا بفعل التنسيق مع السلطات بالأقاليم الإثيوبية المتاخمة لولاية القضارف، وأسهم في استقرار الشريط الحدودي وإيقاف المناوشات من قبل عصابات الشفتة واسترداد أجزاء كبيرة من الأراضي الزراعية للمزارعين خاصة في مناطق الأراضي الزراعية المتنازع عليها سيما أن قضية النزاع الحدود تمثل المهدد الرئيسي للمزارعين في الشريط الحدودي إلا أنها شهدت استقرارا واضحا، بالإضافة إلى ملف الزراعة لخصوصية ولاية القضارف الزراعية لجهة أن القطاع الزراعي يواجه جملة من التحديات تتمثل في ضعف البنية التحتية للطرق في مناطق الإنتاج الزراعي المطري إلى جانب ضعف سياسات الخطط الزراعية الأمر الذي أدى إلى تراجع في هذا القطاع لافتا إلى ضرورة أن يتبنى الوالي الجديد استكمال برنامج تغيير التركيبة المحصولية ومضى يوسف قائلا إن القطاع الزراعي في حاجة إلى إصلاحات وإعادة هيكلة واسعة فيما يتعلق بتوفير المدخلات الزراعية وإدخال التقانات الزراعية والتخفيف من حدة أزمات شح الوقود والسيولة التي مافتئت تطل برأسها في كل موسم زراعي ويرى “يوسف” أن المحك في الملف السياسي يكمن في المحافظة على الاستقرار السياسي الذي يشهده الحزب بالولاية في ظل خفوت أصوات الصراعات السياسية داخل الحزب في فترة الوالي الراحل بالرغم من أن هنالك تململا في الآونة الأخيرة، محذراً من التماهي مع أي مجموعة داخل الحزب. وقال المحلل السياسي دكتور “محمد المعتصم أحمد” في حديثه (للمجهر) إن الوالي الجديد قدر له أن يباشر مهامه في ظروف استثنائية ولائيا واتحاديا صعبة ومعقدة وأعرب عن أمله أن يكون خلفا لخير سلف خاصة أن ولاية القضارف ذات فسيفساء معقدة حسب وصفه، وطالب الوالي بوضع رؤية واضحة حول كيفية إدارة شؤون الحكم بالولاية خلال الفترة القادمة وأن ترتكز على رسم الأولويات وعدم الركون في تفاصيل المهام التي قال إنها يسهل إدارتها بشكل روتيني وأضاف إن قطاعا عريضا من مواطني الولاية ينتظرون استكمال ملف مشروع الحل الجذري للمياه الذي قال إن العمل فيه تأخر بسبب عدم توفر التمويل من الحكومة الاتحادية لإكمال المشروع قبل حلول الصيف القادم فضلا عن صيانة المحطة القديمة وإيجاد الحلول الإسعافية لها، ودعا الوالي للاهتمام بملف معاش الناس على خلفية الأزمة الاقتصادية المزمنة ووضع خطة واضحة المعالم لتوفير السلع الأساسية والضرورية خاصة الخبز والوقود والدواء وحل مشكلة السيولة وحرض الوالي الجديد بإعمال مبادئ الشفافية والمحاسبة فيما يتعلق بمكافحة الفساد، وختم مستبشرا بالقرارات الأخيرة التي أصدرها الوالي الجديد عقب الأحداث التي شهدتها الولاية بزياراته الميدانية للوزارات وإصداره عددا من التوجيهات التي وجدت استحسانا من المواطنين خاصة إطلاق سراح النساء اللائي شاركن في الاحتجاجات .
وكان الوالي عميد أمن “مبارك محمد شمت” كشف في تصريحات صحفية له عقب أداء القسم أن ولاية القضارف، فيها كثير من الملفات الشائكة تكمن في ملفات مشروع الحل الجذري وقضايا معاش الناس والموسم الزراعي، وأكد أنه سيعمل مع الأجهزة التشريعية والتنفيذية لتجاوز هذه المرحلة الحرجة بعد أحداث الأيام السابقة التي راح ضحيتها عدد من الأرواح، وقال إن التعبير السلمي حق مكفول بنص الدستور والقانون، لكن أي تجاوز وتدمير البنية التحتية وإحداث الضرر غير مقبول، مؤكدا التزام رئاسة الجمهورية بتقديم دعم مقدر لولاية القضارف لإكمال مشروع المياه.
تبقى الأيام القادمة فيصلا لجملة من الملفات الشائكة أمام الوالي لتحسم جدلا طال حول قضايا التنمية بولاية طيلة فترة الولاة الذين تعاقبوا على حكمها..