تقرير: رشان أوشي
هبت عاصفة الصراعات مرة أخرى داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجل)، هذه المرة تصاعدت بشكل مختلف، وبات مؤكدا أن الباب الذي فتحه القيادي بالحزب والوزير السابق “مجدي حسن يس” لن تغلقه كل محاولات الرتق، ربما عجل رئيس المكتب السياسي المستقيل بوضع نهاية قاتمة للمعركة التنظيمية التي ظلت متفاقمة منذ استقالة الأمين العام السابق د. “جلال الدقير”، وتكليف د.”أحمد بلال” خلفاً له مؤقتاً إلى حين قيام المؤتمر العام، ولكن سدت كل السبل أمام انعقاد المؤتمر، واستعادة المؤسسات التي ظلت معطلة لسنوات.
الخروج من الباب الأمامي:
تقدم رئيس المكتب السياسي، ووزير الدولة بالمالية السابق، “مجدي يس”، باستقالته من كل مواقعه التنظيمية بالحزب، ويعتبر “يس”، نجل القائد المؤسس لحزب الأشقاء في أربعينيات القرن الماضي، “حسن محمد يس”، ومن مؤسسي رابطة الطلاب الاتحاديين بجامعة الخرطوم، التي ساهمت بشكل كبير في أحداث شعبان، وغادر منها إلى ليبيا إبان الجبهة الوطنية مرافقا للشريف “حسين الهندي”، وبعدها امضى وقتا طويلا معارضا في أوروبا، إلى أن عاد إلى البلاد في العام 2005م برفقة الشريف “زين العابدين الهندي”، على خلفية المبادرة التي طرحها في حواره مع النظام، وغادر على خلفيتها صفوف التجمع الوطني المعارض بالقاهرة، وعاد إلى الخرطوم لممارسة نشاطه السياسي من الداخل، وسجل الحزب الاتحادي الديمقراطي كأول حزب يتم تسجيله لدى مسجل الأحزاب السياسية واشتهر إعلامياً بالحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل، ودخل في شراكة مع الحكومة.
كتب “مجدي يس” استقالة في أربع صفحات بلغة أدبية وأسهب في السرد عن مسيرته في الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ نعومة أظافره، مفصلاً (تحركنا بذاتية الدفع وإيمان أعضاء الروابط ونصائح قيادات العمل الطلابي حتى توج ذلك بقيادة رابطة الطلاب الاتحاديين لاتحاد طلاب مدرسة وادي سيدنا الثانوية، إحدى أكبر المدارس الثانوية آنذاك، وقيادة العمل الطلابي بنصف أعضاء الاتحاد ومنهم رئيس الاتحاد وشكل ذلك بداية تحول كبير في العمل الطلابي الاتحادي، واتجاه واضح للوسط المستنير لولا التآمر الإقليمي والداخلي الذي أدى لانقلاب مايو 1969م وما ترتب عليه من انفراط عقد الوطن الفريد، ثم كانت جامعة الخرطوم مصهر الرجال ونقاء النضال وطهارة اليد وعفة اللسان وبدأ العمل الطلابي الاتحادي فيها “كساكب قطرة عثمان وعمر حضرة وحسن حضرة وحسين القريش وسيد أبو علي والحاج مضوي محمد أحمد والزين الجريفاوي، عثمان السيد وبابكر محمد توم”، ومنها رافق “يس” الشريف “حسين الهندي” إلى ليبيا في قيادة الجبهة الوطنية آنذاك، وهي الفترة التي أفسح لها مساحة مقدرة في استقالته، كانت فترة حرجة بعد التآمر على عملية يوليو 1976م وقاد الشريف “حسين” سفينة المعارضة في أجواء غاية في التعقيد تشابكت فيها المصالح الحزبية والأهواء الشخصية والضغوط الإقليمية، حتى تمت المصالحة مع نظام “النميري” وظل الشريف “حسين” مثل السيف وحده مكافحاً عن قضايا وطنه ما اهتز وما اضطرب ولا انكسرت له قناة، مضى مؤمناً بقضيته مجاهراً بمعارضته حتى انتاشه القدر المحتوم في يناير 1982م ويومها أظلمت سماوات النضال وسالت دموع المناضلين وسكت القلب الكبير وسكن اللسان الفصيح، ويومها وضعنا الراية وقلنا معه يذهب ما سكبنا من جهد وتنتهي مرحلتنا وتتوقف مسيرتنا، ويبقى الولاء للكيان في القلب والحُب للوطن يسري سريان الدم في الجسد، وبقينا حيث يبقى كل بطل مكانه نرى ونسمع ونعي، وذهب “النميري” ونظامه بالانتفاضة (أبريل 1985م) وتعاقبت حكومات الانتفاضة تحمل بذور فشلها وأسباب ذهابها في أحشائها حتى جاء التغيير في يونيو 1989م يحمل آمال الشعب التي اجهضتها حكومات الانتفاضة.
أزمات حزبية:
واضح.. أن الأزمات التي طالت مؤسسات الحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجل)، والصراعات التي يديرها أمينه العام بحسب الاتهامات التي وجهت له من الأشقاء في كل مناسبة، كانت سبباً كافياً لأن يترجل قيادي رفيع كـ”مجدي يس” سليل أسرة اتحادية مؤسسة للفكرة والحزب، ولكنه لم يشر للصراع الذي فاحت رائحته في الساحة السياسية ولكنه أعلن عن موقفه بنبل كبير، وقال: (أما نحن فقد آن أوان أن نترجل فهذه أمانتكم ردت إليكم بكل التقدير والشكر والمحبة نعود مواطنين في سوح هذا الوطن يربطنا حب الوطن بلا إلتزام حزبي قضينا فيه شبابنا وكهولتنا، ومن صميم القلب نتمنى أن نسمع عن هذا الحزب العظيم وهذا والكيان الكبير كل الخير، هذا جهدنا إن أصبنا فمن الله، وإن أخطأنا فمن أنفسنا).
ومن ثم تقدمت مجموعة من القيادات الغاضبة مما اسموه بـانفراد الأمين العام المكلف د. “أحمد بلال”، باتخاذ القرار داخل الحزب، ورهنه للمؤتمر الوطني، تقدموا بمذكرة لمجلس الأحزاب تتعلق بسحب الثقة عنه، إذا اتجهت الصراعات داخل الحزب التاريخي إلى مناح لا رجعة منها.